رحل الفنان فهد بلان في مثل هذا اليوم 26 آب\ أغسطس من عام 1997 عن عمر 64 عاماً.
لقبه الإعلامي اللبناني نجيب حنكش بمطرب الرجولة. كان يمتلك صوتاً مميزاً وطريقة غناء مميزة. لمع نجمه في أواسط القرن الماضي وذاع صيته كالقنبلة المدوية.
سطع في زمن الكبار واستطاع أن يكون واحداً منهم، دون أن يشبه أحداً أو يقارن بأحد. كانت له ساحته الخاصة في الغناء والأداء. كان عاطفياً ولم يكن، صوته الجبلي الحاد والقوي ما كان ليصل لتلك الرومانسية الرقيقة وهو الذي سطع في المواويل وأغاني الحب.
كان صوته يلقى رواجاً وحباً، ما زال حتى اليوم ترفع علامة استفهام حول نجوميته الخارقة، التي لم يورثها أحد ولم يعرف سببها.
سر التميز
عاصر فهد بلان عظماء الأغنية العربية من أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ واسمهان وديع الصافي وصباح وفيروز، وكل أولئك الذين صنعوا عصر الأغنية الذهبية في الشرق.
كان في ساحة كل هؤلاء يغني لجمهورهم ولا يأخذ منهم شيئاً، ولم ينافسهم سوى بحب الناس له. طريقة غنائه التي بقيت حكراً عليه يجمع فيها تلك القوة في الصوت وقدرته على اجتياز الطبقات دون عناء.
كلمته رقيقة لكن صوته أجش يعرف كيف ينتقل بين القرار والجواب بكل أريحية. يصل صوته كامتداد بين جبل ووادِ. صوت يعبر عن المكان الذي نشأ فيه في السويداء مسقط رأسه.
الطفولة الخشنة
ولد فهد بلان من عائلة بسيطة، والده معروف بقوته الجسدية وكرمه. لكن الانفصال الذي تم بين والديه جعلته يعيش حياة بلا استقرار، فانتقلت الأم بأولادها بين يافا وبيروت والأردن، وكان على فهد أن يعمل في أي شيء حتى يساعد العائلة.
وكان فقر الحال في البدايات يقف حائلاً دون تقدّمه المرجو في الغناء.
رفضته الإذاعة بسبب صوته المصطنع
في إحدى لقاءاته على محطة ART يقول فهد بلان بأنه نشأ في زمن الكبار كفريد الأطرش وأسمهان، وهما من بيئته.
تأثر بذاك الجو الفني وعندما أراد أن يتقدم لهيئة الإذاعة في دمشق غنى لهؤلاء ولكنه لم ينجح، فقد كان صوته يبدو مصطنعاً فغاب ستة أشهر وعاد، ربما تكون اللجنة قد نسيت وجهه وقرر أن يغني للفنان اللبناني إيلي بيضا، الذي كان لونه أقرب اليه وفعلاً نجح في أدائه.
ومن هناك بدأ مشواره بعد أن يتعرف على الموسيقي عبد الفتاح سكر وسهيل عرفة. وقد ولد اللقاء الفني بين عبد الفتاح سكر وفهد بلان بأغنية من كلمات حسن البحيري بعنوان (لعينيك يا حرية) التي لحنها في نهاية عام 1959، ثم بمحاورة بعنوان (حبيبي عاد) غناها مع الفنانة المصرية هدى سلطان عام 1960، وتوالت التجارب الناجحة بينهما، وصولا إلى الأغنية التي ستغدو قنبلة الموسم عام 1962، ألا وهي (لركب حدك يالموتور) التي حلّقت بفهد بلان عاليا.
واستمر التعاون بين الصوت الجبلي والموسيقي عبد الفتاح وشكلا ثنائي نجاح منقطع النظير، وقدما مجموعة من الأغاني الشهيرة مثل «واشرح لها»، و«جس الطبيب»، و«لاركب حدك يالماتور»، و«تحت التفاحة»، و«يا عيني لا تدمعي»، و«هالأكحل العينين»، و«يا سالمة» و«يا ساحر العينين» و«يا بنات المكلا». ويعتبر هو وراء نجومية المطرب فهد بلان، وعلى هذا الموتور الفضائي أصبح فهد بلان صاروخاً فنياً استطاع أن يصل النجومية بأسرع بكثير من سرعة الضوء.
لبنان تلقفه ومصر رسخته
لبنان كان المحطة المهمة الأولى في مسيرة فهد بلان نحو الجماهيرية، من خلال برنامج "ألوان" كان يعده ويقدمه الفنان نجيب حنكش، الذي أعطاه اللقب الذي عرف به مطرب الرجولة.
انطلق فهد بلان في بيروت يغني ويستأثر بالأضواء، ويحتل بصوره أغلفة المجلات مثل كبار المطربين كأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وفريد الأطرش ووردة وشادية ونجاة، وقد شغفت أذن المستمع اللبناني بأغانيه التي كان يرى فيها مزيجا من قوة صوت الجبل ونقاء وعفوية مشاعر ابن البادية، فلحن له فيلمون وهبي (عيون المها) و(عباية مقصبة) وملحم بركات (قوم تعلل يا مدلل) و(ما اشتقـتيش لحبيبك أبو الدراويش) وتعتبر هذه الأغاني الأربع من أجمل ما قدمه له الملحنون اللبنانيون.
أفلام "أي كلام"
ولم يقتصر حضور فهد بلان على الغناء بل تعداه إلى السينما… ووقف يمثل أمام نجمات لبنان، بدءاً من (يا سلام ع الحب) مع نجاح سلام ومن إخراج محمد سلمان في أولى إنتاجات نادر الأتاسي السينمائية عام 1963 ومرورا بـ(أفراح الشباب) 1964 و(حبيبة الكل) 1965 أمام المطربة صباح.. و(البنك) مع طروب وميادة 1965 و(القاهرون) مع سميرة توفيق 1966.
كان فهد بلان يعتبر أن أفلامه السينمائية ليست بتلك القيمة الفنية لأنها كانت تقوم بالأساس على الأغاني التي يقدمها الفنان، وكانت الأفلام الغنائية رائجة حينها لكن النصوص والسيناريو كانت "أي كلام" على حد قوله في إحدى اللقاءات عبر محطة ART.
لكن فيلمه مع الفنانة سميرة توفيق كان مميزاً بحيث كان هناك تناغم بينهما خاصة وأن لونها الغنائي ينسجم مع خاصته، وحكاية الجمال والبادية في فيلم "القاهرون" كان لها وقعها.
حياة فد بلان العاطفية
تزوج فهد بلان من الممثلة مريم فخر الدين وتطلقا بسبب ابنة مريم من زواج سابق، إذ أنّ الأطفال في المدرسة كانوا يتهكمون عليها وهم يرددون أغنية "واشرح لها". فأجبرت والدتها على الطلاق منه وذلك حسب رواية مريم فخر الدين نفسها في احدى اللقاءات مع صفاء أبو السعود.
ثم تزوج من الممثلة أمال عفيش وتطلقت منه بعد سنة ونصف فقط، وأنجبت منه إيهاب.
وتقول أمال في احدى اللقاءات الفنية عبر تلفزيون الجديد بأن فهد كان شهماً وكريماً جدا، لكنه منعها من التمثيل، وكان حوله أناس من أهل السوء وهم السبب في طلاقها منه. وذكرت أمال في ذاك اللقاء بأن صوت بلان لا يتكرر ولا يوجد له مثيل سوى الفنان أبو بكر سالم.
ارتبط فهد بلان بعلاقة حب مع الفنانة صباح لكنه لم يتزوج منها، وذلك حسب ما قاله أبنه الوحيد إيهاب والذي قال أيضاً بأن والده تزوج 7 مرات في حياته.
رحل الصوت الجبلي في مثل هذا اليوم إثر نزيف حاد في الدماغ. وكان آخر لقاء تلفزيوني معه مع الشاعر والإعلامي زاهي وهبي في برنامج " خليك بالبيت " عام 1997.