هي الصامتة منذ سنوات ولكن صوتها مسكون في ملايين الحناجر يردد أغانيها. عند كل ظلم، في كل انتهاك، عند كل وقوع، في كل انتصار، عندما تخف العزيمة أو تقوى يأتي صوتها شاحناً للقوة. مُعبّأ في نفوس المستضعفين وهواء حرية في نفوس الأحرار.
جوليا بطرس تخرج عن صمتها. صمت دام أكثر من ثلاث سنوات تغيب فيها عن عالم الميديا والآراء والتعبير، كأنها ليست من هذا الزمن. لا تعنيها هذه العصرنة التي يكثر فيها الكلام واستعراض اليوميات. أطلت بالأمس في منشور مطول عبر صفحاتها على السوشال ميديا، لتصف العدو الإسرائيلي بالمغتصب ذو التاريخ الأسود ... وتعطي رأيها في كل ما يحصل من عدوان في فلسطين.
أغنية في مهرجان استنفرت الحكومة
لا تحتاج جوليا إلى منشور لنعرف رأيها. فهي منذ حوالي 38 سنة قالت كلماتها "غابت شمس الحق" ورددها القاصي والداني وصارت أنشودة حق ترتفع في وجه الاغتصاب والمحتل. يومها عرفنا رأيها قبل أن نعرفها. وما زالت تنضح حرية وتصرخ نحن الثورة والغضب.
لا تحتاج جوليا إلى منشور تشجب فيه العدو لنعرف موقفها. فهي معروفة جداً وقادرة أن ترعبهم بصمتها. أغنية واحدة منها قادرة أن تقلقهم وتزعزع هدوءهم. العام الماضي في إحدى المهرجانات التي أقيمت في الجليل بثت أغنية "عاب مجدك بالمذلّة والهزائم " ما استدعى استنفار الإعلام ووزارة الثقافة واربكت القوى الإسرائيلية مرتجفة من هول أغنية وصوت. هي بلحنها ترعبهم بصوتها تؤرقهم. أغنية في مهرجان تستدعي اجتماعاً لوزير ومساءلته، تربك الإعلام وتبدأ التحليلات.
جوليا التي لا نعرف عنها الكثير والمقلة في إطلالاتها وأحاديثها ولقاءاتها حتى وحفلاتها. لكنها موجودة عند خط النار، تقول:" سنهزم عدونا ونخضع الرياح ونستعيد دورنا بقوة السلاح. سنسترد أرضنا وهذا حقنا. ونستمد عزمنا من عمق الجراح."
يكفي جوليا أن تقف على مسرح تغني "وين الملايين" حتى ترتفع الايدي مشاعل وتهتف الأصوات لها على عتمة المدرجات، فيصبح الملايين جمهوراً بصوت واحد ونفس واحد وحب واحد.
عاشت التهجير مرّتين
ابنة مرجعيون ووالدتها ابنة القدس، عقيدتها أن هذا الوطن لنا ونحن أبناء حق وقضية ولن نتنازل عنها وهذا ما كرسته في فنها وأغانيها التي باتت خناجر تستل عند كل عدوان وفي كل مناسبة وطنية، أو مظاهرة. هي التي عرفت معنى التهجير منذ الطفولة فأمها تهجرت من فلسطين وهي تهجرت من الجنوب نحو بيروت. وربيت على عقيدة الحزب السوري القومي الاجتماعي، كل هذه النشأة جعلت مسارها ذو طابعٍ وطني ذات رسالة وقضية.
جوليا ليست معروفة فقط في وطنها العربي بأنها الفنانة الملتزمة، بل هي معروفة وربما أكثر مما نعرفها نحن عند أعدائها لدرجة يحفظون يوم مولدها وربما يعرفون أي طعام تحب، وكيف تقضي وقتها. وهذا ما حدا بالناطق الإعلامي للجيش الإسرائيلي أن يرسل لها بطاقة معايدة في يوم مولدها منذ ثلاث سنوات، عام 2020 الأمر الذي اقتضى من جوليا الرد عليه بمنشور عبر منصة توتير يومها وكانت تلك الرسالة الأخيرة لها عبر حسابها، لتعود الآن وتوجه رسالة أخرى تصف فيها إجرام إسرائيل وحقدها وتطلق مواقف في دعم الشعب الفلسطيني الذي يحتل عقلها ووجدانها وحزنها وألمها.
أعمال جوليا وأغانيها هي الصوت الصارخ في براري المظلومين والمنتفضين سواء حكت أو لم تحكِ. فنبرتها رسائل لدعم الإنسانية وأرشيفها حافل بالوعي الثوري "أنا بتنفس حرية"، و"الحق سلاحي"، و"إلى النصر هيا"، و"نحن الثورة والغضب"، و"مقاوم"، و"أيها الصامتون"، و"حكاية وطن". ومدى هذا الصوت يضج في أسماع المغتصبين ويؤرقهم.