TRENDING
مشاهير العرب آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

عن لبنان الفن.. يوم صمد مبدعون وهاجر آخرون واستسلم أحدهم للموت

عن لبنان الفن.. يوم صمد مبدعون وهاجر آخرون واستسلم أحدهم للموت

" نحن نبدع الفن كي لا نموت بسبب هذا الواقع" هكذا يقول نيتشة.

وكم يلزمنا من الإبداع والفن حتى نغتسل من كل هذا الوجع وهذا الإحباط الذي يعيش فينا. نحن اللبنانيون الذين نعيش كل أنواع الحروب منذ عام 1975 ونتقلب على نار مسعورة تحرق كل ما فينا، بشراً وحجراً وثقافة وفناً وقيماً. نمر بهدنة مصطنعة بين حين وآخر ومن ثم تعود الحرب بأشكالها المتعددة، حرباً أهلية، اعتداءات إسرائيلية، انفجارات قضت على أهم الشخصيات، أوجعها كان انفجار المرفأ وأمرها مصادرة أرزاق الناس وجنى عمرها في البنوك، وما زالت الفصول تتلى وكل يوم بلباس جديد حتى وصلنا اليوم إلى فوهة بركان في حال انفجر قد يودي بنا جميعاً.


صباح

كيف نصمد في وجه هذا النّحر؟

نصمد في زيادة إنتاجنا وعدم استلاب تقدمنا. الفلاح بمحراثه والمعلم بمدرسته والحصاد بمنجله والإعلامي بخطابه والفنان بإنتاجه والمفكر بمعرفته. فكل عمل في ظل هذه الظروف هو فعل مقاومة. اما أن نقعد ونبكي ونتباكى ونجترح الرثاء ونلطم فهذا بالضبط ما يريده العدو. فمع هبوط العزيمة يسهل الانتصار ومع شلل العمل يزداد الانهيار. لأن الحرب لغة تردم الأحلام وهم يريدون أن نردم أحلامنا وتتكسر عزيمتنا.

أما أن نُعيّر فلاناً لأنه غنى وذاك لأنه أقام حفلة أو وقّع كتاباً أو فتح ستارة مسرح أو ... فهم يريدون منا أن نعيش هذا الانكفاء. لأن ثمة غزاة ومستعمرون ومتسلطون هم برابرة التاريخ القديم والحديث، وهم أعداء الثقافة ومدمرو الحضارة التي تبنيها أيادي الشعوب وهم قتلة البشر البسطاء الأمنين ومحبطي اللهمة وقاتلي الأمل.


فيروز

هذا ما فعلته الحرب بالفن والثقافة

أبان الحرب اللبنانية التي استمرت 15 سنة متواصلة ومن بعدها متقطعة. كل شيء أصيب بالموت وكل مدخرات لبنان الثقافية أصيبت بالاهتراء. فنياً كنا الأوائل فصرنا في أدنى المستويات ولم نستطع أن نطفو إلى الواجهة إلا بمبادرات فردية من هنا وهناك وهؤلاء بالمسمى الوطني هم مقاومين وأبطال. لأن من يستطيع الإنتاج والتحرر من هذا النير الثقيل وهذا الموت المفروش في كل الزوايا هو بطل. والأن من يقدر أن يغني أو يكتب كتاباً أو يصدر عملاً فنياً أو يفتح مسرحاً هو مقاوم وشجاع، إلا أذا هناك من يؤمن بثقافة الموت والعجز. هذه الثقافة التي تحول المقتول إلى قاتل والضحية إلى جلاد.


وديع الصافي

كيف كان الفن خلال الحرب اللبنانية؟

الفن خلال الحرب كجميع مرافق الحياة أخذ وجه الحرب. ومن استطاع أن يبقى ويعمّر فهو القوي القدير، عمّ الشلل كل شيء. المسارح أقفلت والسينما باتت مخابئ للعسكر وسجون لها. وسينما ستراند في الحمراء تخبر أخبار عن ذلك. العديد من دور السينما أقفل يومها وبقي مقفلاً إلى الأبد. الكتّاب والمبدعون باتت نصوصهم عن الحرب ومن ذاكرتها بدءاً من أنسي الحاج إلى جوزيف حرب ومحمد علي شمس الدين وصولاً إلى الجيل الجديد من زاهي وهبي ويحيى جابر وشوقي بزيع وسواهم.

نضال الأشقر رائدة المسرح اللبناني غادرت لبنان أثناء الحرب ورحلت إلى الأردن وأسست فرقة " الممثلون العرب" سنة 1984 واستطاعت من خلال هذا البعد أن تبني حياة فنية وثقافية جالت فيها العالم عندما تعثر الوطن عن توفير الأمن لها.

أما فنانو الغناء فانكفأ العديد منهم أو غادر لبنان وأكمل أعماله في المغترب أو الهجرة منهم الفنان وديع الصافي غادر لبنان لأنه لم يستطع أن يتحّمل هول الحرب. السيدة فيروز صمتت ورفضت الغناء للبنان المنشطر والمنقسم وعندما هدأت الحرب في أوائل التسعينات عادت من الوسط التجاري وكان الركام ما زال سياجاً للمسرح الذي اعتلته درة لبنان يومها وغنت في حفل أسطوري لكل لبنان.

السيدة صباح التي لديها أرشيف من 3500 أغنية و83 فيلم و27 مسرحية كان كل هذا النتاج الفني الضخم قد صدر قبل الحرب باستثناء القليل منها أثناء الحرب وتعتبر صباح هنا من المجازفين إذ قدمت شهر العسل في كازينو لبنان عام 1987ووادي شمسين في مسرح جورج الخامس عام 1983 والاسطورة بمسرح الأليزية أشرفية بعد أن توقفت الحرب عام 1994.


سيمون أسمر

استديو الفن حرس لبنان فنياً

وحده سيمون أسمر استطاع أن يقلب الأجواء ويتحداها من خلال برنامج استديو الفن الذي بدأ عام 1972من على شاشة تلفزيون لبنان والذي يضاهي أفضل البرامج التي ظهرت بعد 30 سنة مثل سوبر ستار واكس فاكتور واراب ايدول وغيرها. ويعتبر أسمر صانع الفن في الزمن الحديث. استمر استديو الفن بشكل متقطع خلال الحرب وكان برنامجاً تحدّى فيه الأسمر الموت والحرب واستطاع ان ينشر أصوات هم اليوم ذخيرة الفن اللبناني منهم ماجدة الرومي ووليد توفيق وعاصي الحلاني وراغب علامة وربيع الخولي نهاد فتوح ونوال الزغبي، اما نجوى كرم فقد تخرجت من برنامج ليالي لبنان الذي كان نسخة عن استديو الفن عام 1985.عدا عن الفنانين الذين تخرجوا من استديو الفن بعد انتهاء الحرب وهم كثر.

ويوم اندلعت النيران في فندق الهوليداي إن وفندق فنيسيا عام 1975 مع شرارة الحرب الأولى، كان تلفزيون لبنان يبث سهرة استديو الفن بالتزامن مع مشهد نيران الحرب في المنطقة التي سميت الفنادق. ومن يومها ولبنان واعلامه وفنه يعيش هذه الثنائية بين القتل والحياة وبين الدمار والإعمار.

كل هذه الشلة الفنية من ماجدة الرومي ووليد توفيق ونجوى كرم وعاصي حلاني وراغب علامة ونوال الزغبي عصف وهجهم خلال الحرب اللبنانية وكانوا صوت العزاء لشعب لبنان ورسله وسط الدمار إلى العالم أجمع. أما ربيع الخولي ونهاد فتوح فبعد أن تألقوا وذاع صيتهم كثيراً غادروا الفن نحو إيمان وفكر يؤمنون به.


نضال أشقر

الفن بين الحياة والموت

نتذكر اليوم كازينو مونتي كارلو في المعاملتين كان مربعاً للسهر لم تنطفىء انواره في عز الحرب وكان ملجأً للفرح لمن استطاع اليه سبيلاً. وكان لنهاد فتوح ابنة الفنانة سعاد محمد وصلة ثابتة فيه.

وشارع المكحول في رأس بيروت كان البقعة المضيئة لحياة ترفض الموت عندما كان الموت يبعد خطوات. بقي هذا الشارع يصدح منه صوت الغناء وتعج مقاهيه ومحلاته برواد يحلمون بأن هذا الكابوس إلى زوال. واعتبر رئة شبه سليمة تعمل بدون تنفس اصطناعي لمنطقة تسمى "الغربية" كل يوم تنشب حرب في شوارعها.


إليسا

إرث الحرب بقتل الفنانين

صناع الحرب يهمهم أن يبقى العطل موجوداً. أن يعم اليأس، أن يموت الفرح، أن تنتحر اللهمة. والحروب أن لم تقتلنا بالجسد فهي قادرة على ذلك بالروح.

الحرب اللبنانية قتلت العديد من الفنانين حتى وأن بقوا على قيد الحياة. أسأل هل من عبث توفيت فريال كريم المونولجيست المتعددة المواهب سنة 1988 وهي واقفة على خشبة المسرح. أما نصري شمس الدين فقد قضى على المسرح عام 1983 في دمشق.

والكبير عاصي الرحباني عميد الرحبانية ورائد الرومانسية الذي رحل في عز عطائه عن عمر لا يتجاوز 63 سنة كان قد أدخل إلى المستشفى مرات عدة في بداية الثمانينات حتى وافته المنية عام 1986 ، هو الذي غرس ثقافة لبنان الأخضر الحلو في الفن اللبناني. فمعاصروه يقرون أن الحرب أحزنته كثيراً وزادت من مرضه.

أما الشاعر خليل حاوي صاحب "نهر الرماد" فقد انتحر حين رأى الدبابات الإسرائيلية على مشارف بيروت.

وفيلمون وهبة شيخ الملحنين الذي رحل عام 1985. خلال الحرب اللبنانية تألم كثيرًا لتركه بلدته كفرشيما قسرًا، ليمكث في بلدة بعبدات زهاء عشرين عامًا، مستكملاً مسيرته الإبداعية خلالها مقدمًا أروع الألحان لفيروز ومنها: «فايق يا هوا» «ولما عالباب منتودع» «ويا ريت».

الحرب مهمتها أن تقوضنا وننصاع للهزيمة في كل شيء في أكلنا وشربنا وعلمنا وقيمنا وفرحنا وتصفيتنا جسدياً وروحياً. ومجرد المواظبة على العمل والاستمرار كلٍ في مكانه فهو شجاع ويستحق التهنئة.

ومن يريد أن يعلنها حفلة فليفعل فقرع الطبول وصوت التصفيق ورفع الاهازيج وتمايل الخصور يزيد من ازدرائنا لعدو يريد بنا موتاً.

يقرأون الآن