TRENDING
فيروز.. ربيع العمر الذي لم يذبل في الـ88

88 عاماً على ولادة الصوت الذي لم يأتِ بعده صوت. فيروز التي نأتي اليها لنكسر وحدتنا وحزننا. نأتيها محملين بالأسى حتى تزيحه. نأتيها خائفين حتى نقوى. نأتيها عاشقين فيزداد عشقنا.

فيروز التي أكملتنا ودخلت أرواحنا ب 800 أغنية لا نعرف كيف ستكون حياتنا بدون صوتها. هي من صنعت أعمارنا بالحب وهذبت أرواحنا بالنغم وبنت أحلامنا بالحرية وأعطتنا الأمل الفريد.

لفيروز الزمان والمكان. وعصفورة الشجن وزهرة المدائن، وبيروت قُبل للبحر والبيوت.

لفيروز الصباح والحكايات العتيقة، تعرفها الأيام وعارفي الفجر على لحن البزوغ.

لفيروز الوطن هنا وكل الأوطان، في كل بقعة زرعت قلب وحصدت قلوب.

بحبك يا لبنان، ويا شام عاد الصيف، بغداد والشعراء والصوُر، وغنيت مكة أهلها الصيدا، وشط اسكندرية، وعمان في القلب انت الجمر والجاه. عادت الرايات تجتاح المدى وجَعْلنا موِعَد المــــــجد َغدا يا إمارات على أبوابها يصرخ البحر وينهدّ الصدى.

في هذه الأوطان الموجوعة المكلومة وحدها فيروز تعيد صياغة الحب وتجمع في كفها الخضار فيوسع والصحراء فتصغر. وحدها فيروز تجمع وتعيد تأليف الوصال. تبلسم الجراح. وحدها قادرة أن تقول سنرجع يوماً.

هذا وطن وهناك وطن. لكن وطن فيروز مختلف. في بلادها يعيش الوروار وينبت الوزال ويصبح القمر جار. وطنها عز وجمال وحب.

لا زعيم ولا قائد ولا عظيم استطاع أن يجمع تحت عباءته ما فعلته فيروز. فهي الحبر في محابر الشعراء. وهي الحب في قلوب العشاق. وهي الجمهورية والمملكة التي لا خصام فيها. وهي الوحدة التي يترنم بها الملايين دون معرفة. وهي القادرة على الجمع بين الأطفال والكهول. وهي صوت الحق عندما يسود الباطل. وهي قرع الاجراس عندما يصلب الوطن وهي صدى المآذن عندما ينده الواجب.

فيروز الباقية أبعد من الزمان كلنا سنرحل وهي ستبقى حارسة على أحلامنا التي حققناها أو لم نحققها. فهي كالتاريخ عتيقة وهي كالغد جديدة. هي السفر ونحن رابضون في أماكننا وهي المحطة التي نتوخى الوصول اليها. هي النضرة دوماً ونحن نمر من أمامها نتعمد بماء قدسها ونرحل وهي ثابتة كنهر الأردن وماء المتوسط ومدينة القدس.

فيروز السلام والأمل. صوتها تجلي وخشب صلبان وكنائس خلاص. لماذا لا تضحك فيروز كثيراً؟ لان الضحك يميت القلوب وفيروز تريد من قلبها أن يكون قلوب. تريدنا عندما نسمعها أن تسمع دواخلنا. وعندما نطير في فراغاتنا أن نحط على اغصانها. وعندما نتوه في غربتنا أن نعود إلى مسكنها.

فيروز اللحن الذي يصنع المستحيل فنصبح رهن زفيرها. فإن أرادت بنا نوماً حلمنا. وأن أرادت بنا صحوة نهضنا على سرج خيولها وبيارق الويتها. وأن ارادت بنا سكوناً عدنا إلى هياكلها خاشعين متعبدين.

لو باحت فيروز بكل صوتها لكن نحن كل يوم نولد من جديد في بوح صوتها. كل يوم تشكلنا كما تريد. فيروز هي البقية الباقية في أعمارنا وأحلامنا.


يقرأون الآن