TRENDING

"نزوح" فيلم سوري يحكي مأساة عائلة سورية مكونة من أب (سامر المصري) "معتز" وأم (كندة علوش) " هالة" وابنتهما الطفلة (هالة زين) "زينة".

تدور الكاميرا في منطقة من الخراب، والأبنية المهدمة. والأب يأبى أن يغادر بالرغم من المخاطر. المكوث في منزل متصدع أهون عليه من أن يكون لاجئاً أو نازحاً.


بيته مملكته. الساكن في بيته ملك حتى لو كان وسط الدمار. لكن قذيفة تطال بيته فتتهدم الجدران ويسقط السقف. وينفتح المكان على النجوم والسماء والمدى. تحلم الام بأن خلف هذا الخواء الأزرق الممتد أمام ناظريها يوجد البحر.

البحر عندها هو الخلاص من هذه الأرض الظالمة المقفرة المخيفة. لكن زوجها متشبث في مكانه. أهون عليه الموت وسط هذا الخلاء من أن يصبح لاجئاً أو نازحاً يقطن في خيمة وينتظر إعانة الأمم المتحدة.

البيت بات أشبه بخيمة "مشلعة" لا يستطيع أن يحمي من شتاء أو يرد هبوب الرياح. أصبحوا يجاورون السماء والمطر والماء يجري تحت أقدامهم.

في الحرب تصبح بديهيات الأشياء وصغائرها أموراً عظيمة. مرطبان مكدوس وقنينة مياه ورغيف خبز وحفنة سكر وفنجان قهوة. كلها أشياء ثمينة، الحصول عليها ترفيه ورخاء.

من هذه التفاصيل يمشي الفيلم ليسرد كيف أن نسمة الهواء العليلة في القيظ تصبح هي الحياة والسعادة. على وقع هذه الشذرات الصعبة المنال يرقصون ويهللون.

الفيلم الذي يصور مأساة عائلة سورية تقطن وسط الدمار والخوف يتقاطع مع شعوب عربية كثيرة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن. يشعر المشاهد أنه داخل الفيلم وليس خارجه.


الفرح بأن تؤمن ماءً أو يأتي التيار الكهربائي لشحن بطارية هاتف أو تعيش ساعات دون أن تسمع دوي الانفجارات أو تطمئن لوجود جيران آخرين يتشاركون معك هذا المصاب والأوضاع الصعبة. كل هذه البديهيات تصبح فرحاً لأجلها تبتكر أغانٍ وتقيم حفلة.

الحوارات في الفيلم قصيرة والمعاني كثيرة. والمَشاهد هي اللغة الفائضة في الفيلم. الصورة هي التي تروي الحكاية. فتشتد العقدة ليس من مشهد الدمار والخوف بل من مشهد الفرح وطريقة الاهازيج التي تقام في خضم هذا الغبار المخيف والضياع الذي يلف كل الناس.

الطفلة زينة تحلم ببحر وصيد. فتصطاد السماء بالصنارة طالما الأزرق واحد. والأم تحلم بالبحر كمخلص فتظن أنه يمتد خلف الحارة. ولا تعلم أن في دمشق لا يوجد بحر. لكن عليها أن تواصل حلمها أملاً بالنجاة. وكأن أصحاب المأساة والموت يحلمون بالمستحيل من أجل أن يبقى معنى للحياة.

الحب في الفيلم ستائر أخرى منتشرة تلف أبطاله وقوة تتعاظم عندما يلف الموت كل جوانب البقاء. الأب يتفانى من أجل زوجته فيأتي لها بالماء والقصف يحيط به، يحاول أن يعمر جدران البيت المهدمة بحجارة الردم يعدها بجلب كل ما تشتهي عندما تقف الحرب.

 والطفلة المراهقة تجد أنسها مع الفتى عامر الذي يعقد مواعيده على السطح المهدم وهي تصعد اليه بحبل من السقف المثقوب. وتنشأ علاقة تقتل الخوف ويصبح اللقاء وعداً بالأمل.


 وكأن في الحرب تتوحد القلوب أكثر ويصبح للحب معانٍ أخرى يتجذر في لقاء آخرين ناجين أو آخرين صامدين. ويصبح الوطن له كلمات جديدة هو النجاة أو البقاء على قيد الحياة. وتصبح دمشق أجمل المدن ولا ينقصها شيء لتكون الجنة سوى البحر.

المخرجة سؤدد كعدان تروي فيلمها من خلال الضوء والصمت والتعابير ولهاث الأنفاس. كل حوار صغير بين الأب الذي يريد البقاء والأم التي تريد المغادرة هو حبكة. ورأس هذه الحبكة عندما تصمم الأم المغادرة وتأخذ معها ابنتها بعد أن يقرر الأب تزويجها من مقاتل وهي لا زالت طفلة لم تنضج بعد، تحت شعار السترة والضمانة.

تغادر الأم في الأرض المقفرة المخيفة وتنزل الدهاليز والخنادق ومعها الصبي عامر الذي فضل زينة رفيقته على أهله وكان لهم مرشداً. ومعتز الأب يضج في الأرض بحثاً عن عائلته التي استطاعت أن تحظى بعد عناء ورعب بسيارة "بيك أب" للخروج من منطقتهم المهددة بوصول مقاتلين.

مشهد هروب الأم والأبنة بالسيارة والأب يركض خلفها يرجوها البقاء. مشهد يفطر القلب يختصر معنى الكون كله. بكل ما فيه من حب وعائلة وأرض ووطن وكرامة وحياة.  


جوائز "نزوح"

تم عرض فيلم "نزوح" لأول مرة بتاريخ 6 كانون الثاني\سبتمبر 2022، في الدورة 79 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، حيث حصل على جائزة الجمهور، بعد إشادة كبيرة من الحضور.

كما شارك في عدة مهرجانات حول العالم، من بينها مهرجان لندن، ومهرجان موسترا دي فالنسيا بإسبانيا، ومهرجان ساو باولو، ومهرجان طوكيو، ومهرجان بوسان بكوريا الجنوبية، ومهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط في المغرب، ومهرجان السينما المتوسطية في بروكسل، وآخرها كان مهرجان الشارقة في الإمارات العربية المتحدة.

 وفاز بجائزة أفضل فيلم روائي طويل ضمن فعاليات النسخة العاشرة من مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب.

يقرأون الآن