عباس النوري في "آسر".. العلّة في تركيبة الشخصية ومخارج الحروف
عباس النوري واحد من جهابذة الدراما، اسمه مرادف لبراعة الأداء وقامة فنية مخضرمة.
ظهوره في المسلسل التركي المعرب "آسر" شكّل قيمة مضافة في شخصية يلفّها الغموض، هي شخصية الخال رستم، إلا أن اكتمالها تعثّر لأسباب عدّة.
الشخصية المحببة
في بداية العمل، ظهرت شخصية رستم كرجل عادل وحنون وقوي، ويد قادرة على البطش إذا اقتضى الأمر.
شخصية محببة وساطعة ذات عصب قوي، لا يمكن إغفاله أو التغاضي عنه.
استطاعت شخصية الخال رستم أن تكون صوت الضمير وميزان الحق، ورأس الحكمة والمرشد في سياق العمل، ولم تهتزّ هذه الشكيمة عنده.
يرغمنا النوري على أن نقف على رؤوس الأصابع إجلالًا لهذا الدور الحكيم، وتجسيده بكل ثبات من قبل فنان قادر على ارتداء الشخصيات ومنحها من عمق صلبه وتجربته الفنية.
إشكالية المونولوغ
بعد مضي أكثر من 40 حلقة، بدأ هذا الدور يفقد شيئًا من تماسكه، إذ أُسقِط صوت الخال رستم في العمل على شكل مونولوغ، أي "الصوت الذي يحدّث نفسه".
صوت ينزل فوق كل واردة وشاردة، وكأنه تجسيد أو تفسير لشخصية مبهمة، أو قوال يريد أن يبشّرنا بشيء ما.
بدا هذا الدور ثقيلًا. هذا الصوت ظهر كعائق للدهشة، ومنغّص للأداء، بل يأتي أحيانًا كمشوّش (برازيت) في مجرى الأحداث الدرامية.
لم يُعطَ الممثل عباس النوري شخصية متحرّكة، بقدر ما أُعطي شخصية ساكنة ذات حضور وسطوة، سواء من خلال استخدام العيون أو الصوت أو الوجه المعبّر.
فالممثل القدير قادر على تجسيد الشخصية من كرسيه، من نظرته، من طريقته وجلسته.
الصوت الممضوغ
لكن بالرغم من كل هذا العطاء، لا يمكن أن نعبر دون أن ننتبه لذلك الثقل في الكلام، وتلك النبرة المتهدّجة، وكأن الأحرف تخرج ممضوغة، وعلى مضض، وبصعوبة.
ينزلق نطقها دون سلاسة، وبتعبٍ مسموع.
سقطة مسلسل "آسر" كانت توسعة دور هذا الصوت الذي يفترض أن يكون صدى الضمير، أو مخبرًا يأتي بشكل مهيمن على المجرى الدرامي.
وقد أُعطي هذا الصوت بكثافة لشخصية الخال، فبدا مصطنعًا وثقيلًا ومبهمًا، أكثر منه إيحائيًا ومعبرًا وواضحًا.
هل فعلاً كان دور الخال مدروسًا؟
عباس النوري، الذي كان له رأي واضح في الدراما المعرّبة، قال في أحد اللقاءات:
"لقد كانت وجهة نظري فيها واضحة منذ البداية؛ أنها لا تشبه في قضاياها المطروحة تلك الموجودة في العالم العربي عمومًا.
لكن عندما عُرضت علي المشاركة في مسلسل 'آسر'، وبعد أن قرأت النص الدرامي، أحببت خوض التجربة، بعد أن تم تقريب الرؤى لتمس الواقع الحياتي في المجتمعات العربية، من خلال تقاطع الشخصيات التمثيلية في القصة الدرامية مع واقع شخصيات حياتية مشابهة في مصر وسوريا ودول عربية كثيرة."
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة:
هل نال الممثل عباس النوري حقّه في هذا الدور؟ وهل كان الدور مدروسًا كما يجب؟
الشخصية غير المفهومة
ثمة خلل ما في الشخصية. هذه الشخصية التي تصدر لنا قوة الاحتضان وضرورة الحق، وتعطي بلا حساب، وتقدّم المساعدة بلا حدود.
فهو انتشل "مجد" واحتضنه، وقدّم له الصحة والمال، واعتبره كابنه. لكن في النهاية، هو مجرم – وعلى لسانه اعترف بأنه قاتل أبنائه الثلاثة!
هذه التناقضات تجعل من الشخصية غير مفهومة وغير مدركة. ولم تصل ماهيتها بشكل ناصع للمُشاهد.
شخصية الخال ملتبسة وغامضة وصعبة. لم نعرف حتى الآن خيرها من شرها، فمع تقدم الأحداث نفهم منها القليل ونراكمه دون وضوح.
بانتظار أن تتقدم مجريات الأحداث أكثر، حتى نستقي بعض الأجوبة.