منى مرعشلي الصوت الذي خفت باكراً. كنا ننتظر أن تنضح عذوبته أكثر. لكن الموت غدر صاحبة "لك شوقة عندنا" و"شمس المغارب " و"تركني انسالي اسمك".
سبع سنوات على غياب الفنانة منى مرعشلي التي رحلت عن عمر 58 سنة. رحلت قبل أن تتفتح بتلاتها. وقبل أن يشبع الصوت من خامته الذهبية.
لم تكن مرعشلي غزيرة الإنتاج. لكن ما قدمته غُرس في الفن ليعمر طويلاً. 20 أغنية سقطت في الذاكرة كالوهج وبقينا نرددها وستبقى أغانيها ذاك الإرث النادر في معاجم الفن.
حملت كأسها الذهبية في عام 1973 من برنامج استديو الفن. تاركة لجنة الحكم في ذهول، لتكون من رعيل المؤسسين للفن الراقي من أيام الأبيض والأسود مع ماجدة الرومي وغسان صليبا ووليد توفيق وعبدو ياغي.
عشرون أغنية لم تسقط واحدة منها. كلها محفورة في الذهن والأسماع. وكأن بها كانت تثقل اللحن والكلمة مع الصوت لتخرج بأغنية قدرها أن تعيش للأبد. لا تحب التهاون ولا التساهل معيارها الفني من الجواهر التي كلما مرّ عليه الزمن اتضحت قيمته أكثر.
لم تنصف مرعشلي خلال مسيرتها، فصوتها المميز الذي طل بأغاني أم كلثوم وحنجرة لا تتكرر كانت تحتاج حضناً فنياً يستطيع أن يحبي هذه الموهبة. لكنها عاركت موج الفن وحيدة.
عشرون أغنية أنتجتها وسجلتها على نفقتها الخاصة ولم تجد من يأخذ بيدها. بالرغم من أنها تعاملت مع أهم الأسماء الفنية التي وضعت حجر أساس الفن اللبناني والعربي في مجال الاغنية والموسيقى. أمثال الأخوين الرحباني وفيلمون وهبي وزياد الرحباني ومحمد ماضي وفيصل المصري ونور الملاح وغيرهم.
خروجها من عائلة محافظة ربما أعاق حضورها. لكن لم يكُم صوتها. فهي خلال مسيرتها سافرت وغنت في عواصم العالم. لكن عصرنة الأغنية لم تكن في صالحها. ولم تستطع أن تواكب فنانين باتوا يعتمدون على الصورة والشكل أكثر من الصوت. فكانت الطائر الذي يغرد خارج السرب.
لم تحظَ بمن يتلقف صوتها كما يجب وكانت هذه خسارة للفن ولفنانة قادرة كيفما استدارت أن تضع أغنية خالدة في أرشيف الغناء.
كثر قالوا إنها اعتزلت الفن، كون وجودها كان متقطعاً. لكن فنانة ترشح فناً لا يمكن أن تعتزل.
وتقول في إحدى لقاءاتها عن الاعتزال:" لا أستطيع أن افعل ذلك لأن الفن يسري في دمي. أحياناً اتمنى الاعتزال عندما يعتريني الغضب حيال التردي الذي يجتاح الساحة الفنية، خصوصاً أن هناك غياباً شبه كامل للأعمال المميزة وكل ما نسمعه ممل. السمّيعة لم يعد لهم وجود والفوضى العارمة هي السائدة، رغم وجود عدد ضئيل من الأعمال الجيدة".
طالما قالت منى مرعشلي أن لديها ظروفاً خاصة جعلت حضورها متقطعاً. ولكن في الوقت نفسه لم يكن عندها ذاك المنتج الذي يأخذ بيدها. فصرفت كل قرش تملكه على فنها.
أقل ما يقال إن فنانة من طينة منى مرعشلي عاشت مخذولة. فلم تجد من يأخذ بيدها فنياً ولم تستطع أن تواكب فوضى الفن أو تسايرها. فقبعت في بيتها ولم تلق معيناً.
حكي كثيراً عن صوتها وامكانياته الفريدة وموهبتها التي لا تتقاطع مع أحد. فنانة أتت من عصر الفن الخالص لكن عند المحن تُركت لتصارع مصيرها وقدرها ورحلت وحيدة. غابت قبل أن تغيب.
كما أطلت باكراً رحلت مبكراً. نوبة قلبية أودت بها بعد خضوعها لجراحة. والمؤسف أكثر أنها رحلت بعد رحيل والدتها بشهرين. تاركة خلفها الصدى يردد أغاني لا تموت، لفنانة قادرة أن تكون هرماً في زمنها.