يبدأ بعد أيام، عرض الموسم الثاني من مسلسل "دبي Bling" الواقعي، الذي تدور أحداثه بين أثرياء حققوا أحلامهم في دبي.
لكن قبل عرض الموسم الثاني، إليكم لمحة عن الموسم الأول، الذي حظي بانتقادات واسعة، بسبب سطحية المشاركين فيه، رغم مظاهر الإبهار التي حاول المسلسل التسليط عليها.
الموسم الأول
عندما أعلنت نتفليكس عن مسلسلها اعتقدنا أن العمل سيقدّم قصص نجاح، عن أشخاص بعضهم جاء إلى الإمارة الخليجية وهو لا يملك سوى مبلغ قليل من المال، ليصبح بعدها من كبار الأثرياء، إلا أنّ المسلسل لم يعدُ كونه أكثر من مجرد عرض أزياء وأحاديث فارغة، ومشادات لا تنتهي بين المشاركين فيه، تشعر في نهايته أنّ المال لا يشتري السعادة، وأنّ هؤلاء المرفهين يفتقرون إلى السلام الداخلي، وأنّ حب الظهور لديهم حالة مرضية يستعصي معها أي علاج.
طبعاً لم يكن هدف صنّاع العمل أن يقولوا لنا "انظروا إلى أبطالنا دائمي التذمّر، صعبي الإرضاء، كثيري المشاكل، رغم ثرائهم الفاحش، فالسعادة تنبع من الداخل وليس كل ما يلمع ذهباً"، كان الهدف الإضاءة على أثرياء يعيشون حياة البذخ في دبي، حققوا نجاحات لم نشاهد أي منها في الحلقات التي تدور في إطار النميمة العلنية، والمشادات التي وصلت حدّ العراك بالأيدي.
تبدأ الحلقة الأولى مع زينة خوري، الشابة اللبنانية التي قالت إنها جاءت من لبنان وهي تملك 300 دولار أميركي فقط، لتجمع من عملها الملايين.
زينة التي أصبحت الرئيسة التنفيذية لإحدى أكبر الشركات المرموقة في مجال العقارات، لم تخبرنا كيف جمعت ثروتها، ولم نشاهدها سوى في لقطات مقتضبة وهي تمارس عملها، والمرّة الوحيدة التي زارتها الكاميرا في مكتبها، كانت لنقل مشادة وقعت بالأيدي بينها وبين إحدى بطلات العمل.
أرملة الثري السعودي
صفا، شابة عراقية مرتبطة برجل ثري جداً، مشاكلها تبدأ من صعوبة تخزين ملابسها وحقائبها الفاخرة في منزلها الواسع، تريد لزوجها فهد أن يشتري لها منزلاً أكبر، وهو يرفض الانتقال من المنزل الذي يشهد الكثير من الذكريات، يطالبها بمولود ثانٍ، تخشى فكرة الحمل والإنجاب خوفاً على رشاقتها، تبلغه على عشاء تعدّه لأصدقائها أنها قررت الاستعانة بأم بديلة، يتشاجر الزوجان أمام ضيوفهما.
صفا تحلم بأن تصبح مصممة أزياء، تعد لمجموعتها الأولى وتعرضها أمام المجموعة الضيقة من الأصدقاء الذين يشكلون أبطال المسلسل، لا نشاهد صفا في مشغلها، لا تخبرنا عن مصدر إلهامها، مشاهدها عبارة عن استعراض لمجوهراتها، ومشاجرات مع زوجها وعندما يقرر هذا الأخير أن يراضيها يقوم بشراء شقة فاخرة لها في دبي، تنظر باستخفاف إلى الشقة وتسأله "ماذا سأفعل بها؟" يجيبها "لديك الكثير من المجوهرات أردت إهداءك شقة"، يطمئنها أنهما لن يعيشا فيها.
تدعو صفا صديقاتها إلى الشقة، ويبدأن بالخربشة على الجدران والسخرية من هذه الهدية.
أما لجين عضاضة، التي لا صفة لديها في المسلسل سوى أنها أرملة رجل الأعمال السعودي الشهير طارق الجفالي، وأم لطفلتين، تزوجت في سن مبكرة وترملت بعدها بسنوات قليلة، تكشف خلال المسلسل عن علاقة مضطربة بوالدتها المنفصلة عن والدها والتي تقطن في أميركا، تتدخل الإعلامية لجين عمران لجمعهما وبسبب ظروف الوالدة تبوء محاولاتها بالفشل. حدث كان بإمكانه تغيير إيقاع المسلسل، وإدخال عنصر مشوّق فيه يكسر الروتين الذي يدور في إطار النميمة والثرثرات الفارغة.
من الشخصيات النافرة في المسلسل، إبراهيم الصمدي الذي تعرف عنه نتفليكس أنه رجل الأعمال والمليونير الكويتي الذي بدأ شقّ طريقه للنجاح منذ سنّ الرابعة عشر وتمكّن من تأسيس إمبراطوريته الخاصة في عالم الورود.
في المسلسل لا نشاهد إبراهيم سوى في موقع النمام، يلتقي في موعد مدبّر مع لجين عضاضة وبعدها يصفها بالشقراء الغبية، يجلس إلى طاولة أصدقاء يغتابون صديقة، فيتصل بها ليخبرها بما دار حولها من أحاديث، يثير المشاكل أمام الكاميرا دون أي خجل، يختار أن يكسر صورته كرجل أعمال أخبرتنا المنصة أنه ناجح، لصالح صورة شاب يقضي وقته في افتعال المشاكل والنميمة.
ومن النماذج النافرة أيضاً، الهندية فرحانة بودي التي يعرّف عنها المسلسل بأنها الأم العازبة وبأنها من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في الوطن العربي.
في المسلسل تفتعل فرحانة المشاكل مع الجميع، وتبلغ المشاكل ذروتها ويقطع الجميع خطوط العودة، ثم فجأة تعود الأمور إلى ما كانت عليه من أصدقاء يقبلون المهانة ويتعاملون مع بعضهم بطريقة تخلو من أدنى أصول اللياقة والاحترام.
في المسلسل يبدو حضور منسّق الموسيقى الإماراتي مروان العوضي، المعروف باسم "DJ Bliss"، لطيفاً، إلا أنّ زوجته دانيا محمد الشهيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تختار أن تلعب دوراً نافراً، تنخرط مع ابراهيم في أجواء النميمة، وتقصد زينة في مكتبها وتبرحها ضرباً.
وبعيداً عن مشاكل الأصدقاء، نشاهد المذيع كريس فايد وهو يحضر لحفل زفافه من خطيبته المكسيكية، تحضر عائلته من أستراليا لتشاركه تحضيرات الزفاف ويجتمع الأصدقاء في حفل الزفاف، حتى تخال أن دبي لا تضم سوى هذه الدائرة الضيقة، التي لا يجمعها سوى المشاكل والمشادات، يكره أحدهم الآخر بصورة علنية، ويعرف الآخر أنه يكرهه لكنه يحافظ على صداقته بطريقة عجيبة.
أما زينة المسلسل التي تجعله قابلاً للهضم، فهي الإعلامية السعودية لجين عمران، التي تحتوي الجميع، أنيقة باتزان، عميقة، مثقفة، تحاول أن تجمع أصدقاءها المتنافرين، تحتضن أسرتها، حضورها دافىء جميل، يجعلك تصدّق أن برامج تلفزيون الواقع لو أعدّ لها سيناريو جيّد، ستقدّم نماذج يحتذى بها، وستكون تجارب حياتية تستحق أن تروى.
"دبي Bling" لا شيء سوى البهرجة، الملابس البراقة، اليخوت والشقق الفاخرة، والعلاقات الواهية التي يجمعها حب المظاهر، هو عمل ارتضى أبطاله أن يهانوا من قبل زملائهم أمام الكاميرا، وأن يهينوا زملاءهم أمام الكاميرا أيضاً، تسقط مع الحلقة الأخيرة كل أقنعة البهرجة، التي تخفي خلفها حباَ مرضياً للظهور، ولو كان ظهوراً مضعضعاً لا يثير سوى امتعاض المشاهد.
مسلسل ظلم دبي التي تسطّر نجاحاً يحتذى به لإمارة تحلق يومياً نحو أفقٍ غير محدود، حين حصرها صناع العمل بشخصيات يغلبها على معظمها ضيق الأفق.