TRENDING
محمد عبده في يوم ميلاده.. فنان الجرأة والمفارقات والعناد


76 عاماً من العطاء، وإرث يُطوى في ذاكرة الفن الحديث والقديم معًا. محمد عبده، فنان العرب "أبو نورة"، ابن جازان السعودية. وُلد في مثل هذا اليوم من عام 1949. طفل يتيم لم يعرف والده، إذ رحل قبل أن يعي وجوده، فبقي في كنف أم كرّست حياتها لأجل أبنائها.


من الفقر إلى الثراء 

ابن الفقر والعوز، عاش حياةً مليئة بالتناقضات. الطفل الذي نشأ يتيمًا فقيرًا، بات ملكًا على عرش الغناء. تنقل بين دور الرعاية للأيتام، يخبئ الفاكهة لتكون زادًا بسيطًا للقاء الخميس مع أمّه، يتشاركان ملذات البساطة. ليُصبح لاحقًا من أغلى الفنانين أجرًا، وأكثرهم ثراءً وعطاءً في الخير.

وتكبر تلك التناقضات؛ فالطفل الذي حفظ الموشحات اليمنية التراثية، أصبح في سنوات قليلة أول من أدخل الجيتار الكهربائي في أغنية سعودية خالصة عام 1974، بأغنيته الشهيرة "الرسائل".

ابن المفارقات

محمد عبده هو ابن المفارقات الملهمة. فالمراهق الذي التحق بالمعهد الصناعي لدراسة صناعة السفن ليُصبح بحارًا على خطى والده، اتجه نحو الفن وتبع شغفه، ليستقر مغنيًا كوراليًّا خلف وديع الصافي في بيروت. وتحوّلت وجهته من روما إلى بيروت، ومن بناء السفن إلى بناء المجد الفني، وذلك بفضل مكتشفه عباس فائق غزاوي، أحد أوائل من آمن بصوته في ستينيات القرن الماضي.

المغامر

محمد عبده كان مغامرًا وطموحًا في كل مسيرته. رفض الغناء بأي لهجة سوى الخليجية، ورفض الغناء في فقرات حفل عبد الحليم حافظ في مطلع السبعينيات رغم أنها كانت فرصة ذهبية، لكن جرأته وعناده كانا أقوى.

الثقة بالنفس والاعتداد بالذات

أما الثقة بالنفس والاعتداد بالذات، فمحمد عبده مشبع بهذه الصفات. خاض تجربة التمثيل في مسلسل "أغاني في بحر الأماني" عام 1969، في سابقة لم يسبقه إليها أي مطرب خليجي، ولم يهتز. دخل سوق الكاسيت كمنتج في منتصف السبعينيات، وقت كان منافسة السوقين المصري واللبناني فكرةً مجنونة. ثم قادته جرأته إلى نقل الأغنية الخليجية من إطار التخت الضيق إلى أوركسترا فنية طموحة على طريقة الرحابنة.

صار محمد عبده بحّارًا، لكن في بحر الغناء واللحن، يستخرج اللؤلؤ ويصوغ جواهره من أعماق الفن، ويبالغ في ترحاله واكتشافاته. كل أغنية له هي نشيد تتناقله الأجيال، ليكون أول الرحالة والمكتشفين في بحور الفن، يرسو على شواطئ

التجدد.


الاعتزال الجريء.. والعودة المارد

حين اعتزل محمد عبده الغناء، لم يكن ابتعاده سوى استراحة طويلة، عاد بعدها ماردًا في سماء الفن. توقف عن إحياء الحفلات مدة ثماني سنوات (1989–1997) لأسباب شخصية، منها وفاة والدته، ومراجعة فنية لما قدمه وما سيقدمه. وخلال هذه الفترة، أبدع "أنشودة المطر" من كلمات الشاعر بدر شاكر السياب، وقدّم أيضًا "البرواز".

استغرق محمد عبده عشر سنوات كاملة ليُخرج "أنشودة المطر" بالشكل الذي يرضيه. ما اعتقده البعض رسوًّا عن الفن، كان في الحقيقة بناءً لقارب أقوى قادر على الإبحار لمسافات أبعد. عاد بعدها ليحيي الحفلات، فتضاعفت مبيعات ألبوماته السابقة مع دخول زمن الأقراص المدمجة في الألفية الجديدة

البحّار الذي لم يرسو

محمد عبده، البحّار والمكتشف، قطع أميالًا لا تُحصى في محيط الفن، وسفينته ما تزال مبحرة. لا نعلم إلى أي اكتشافات ستقوده. هو فنان الجيل القديم بلا منازع، وفنان الجيل الجديد بلا انقطاع، الكل يردد أغانيه، من "أبعاد" إلى "الأماكن"، مرورًا بألف أغنية وألف رحلة ناجحة.

يقرأون الآن