في 4 تموز/يوليو 1988، أسدل الستار على مسيرة فنية استثنائية برحيل فريال كريم، أيقونة الكوميديا اللبنانية وصاحبة البهجة الصافية. رحلت وهي تؤدي على المسرح، كما عاشت تماماً: ضاحكة، مغنية، عاشقة للفن حتى اللحظة الأخيرة.
البدايات: موهبة بالفطرة
وُلدت فريال كريم باسم "فيرا سمعان" في 13 نيسان/أبريل 1938، وسط عائلة فنية كانت بوابتها الأولى نحو الشهرة. برزت موهبتها منذ طفولتها، فبدأت بالتقليد والغناء وهي في سن الخامسة. سرعان ما لفتت الأنظار بقدرتها الفريدة، وشاركت في أول عمل سينمائي لها في مصر بعمر ست سنوات من خلال فيلم "سكة السلامة" عام 1948.
كان لمسرح "فاروق" في بيروت الفضل في انطلاقتها الحقيقية، حيث غنّت برفقة شقيقتها كلير، وتعرّفت لاحقاً على زوجها الفنان محمد كريم، في قصة حب جمعت الفن بالحياة. من المسرح، انتقلت إلى التلفزيون لتفرض حضورها في برامج مباشرة، منها "شارع العز" و"حكمت المحكمة"، حيث تحوّلت دموع الجمهور إلى ضحكات، وولدت معها ظاهرة كوميدية اسمها: فريال كريم.
مسيرة فنية غنية
في زمن الحرب والحصار، كانت فريال نافذة الأمل للمشاهد اللبناني والعربي. برعت في تقديم المونولوج الغنائي الساخر في مسلسل "أم خبار"، وبلغت ذروة شعبيتها في مسلسل "الدنيا هيك" بدور "زمرد"، وهو من أكثر الأعمال إعادة على شاشة تلفزيون لبنان. شاركت أيضاً في أعمال مع أبو سليم، وظهرت في "عيوق ورفقاته"، كما وقفت إلى جانب أساطير الفن مثل شوشو، صباح، سلوى القطريب، وفيلمون وهبي على خشبات المسرح.
رغم مشاركاتها السينمائية الناجحة في لبنان وسوريا ومصر، بقي المسرح بيتها الأول، وصرّحت مراراً أنها اختارته على العروض الخارجية ذات العائد المالي الأكبر، لأنه المكان الذي "تفجّر فيه طاقتها".
مرضها المزمن وصراعها الصامت
في سن السادسة، أصيبت فريال بداء الروماتيزم الذي أثّر على قلبها، لكن ذلك لم يُثنِها عن زرع الفرح. لم تشتكِ يوماً، بل اتخذت من معاناتها دافعاً لإسعاد الآخرين، فكانت نموذجاً للتصالح مع الألم وتحويله إلى طاقة فنية متجددة.
الرحيل على المسرح... لحظة لا تُنسى
في ليلة 4 تموز/يوليو 1988، كانت فريال تحيي حفلاً في أحد مسارح المعاملتين. كانت تغنّي "جارنا الشاويش" حين انهار جسدها فجأة أمام الجمهور. اقتربت قبل لحظات من إحدى العرائس وسألتها عمّا ترغب في سماعه، فأجابت: "عم بيزعلني للو". فردت فريال: "لا، إنتِ عروس، بعد بكير ليزعلِك حدا". بعدها بدقائق، خانها قلبها، وسقطت على خشبة المسرح.
لحظة الوداع تلك، وثّقها أحد الحاضرين بكاميرته، وبثّها لاحقاً الإعلامي زافين قيومجيان في برنامج تلفزيوني، لتبقى تلك الثواني الأخيرة من حياة فريال شاهداً حيّاً على نهاية فنانة ماتت كما عاشت: تؤدي وتضحك وتغني.
إرث بلا تكريم
بعد 37 عاماً على رحيلها، لا تزال فريال كريم حاضرة في ذاكرة اللبنانيين بصوتها وضحكتها، رغم غياب أي تكريم رسمي يليق بها. فنانة استثنائية، تستحق جائزة باسمها، أو عملاً درامياً يُوثّق حياتها ومسيرتها، لا لأنها صنعت البهجة فحسب، بل لأنها جسّدتها بكل جوارحها... حتى الموت.