على عكس القاعدة الشهيرة أن "الانتقام يُؤكل باردًا"، يبدو أن صنّاع مسلسل "آسر" قرروا تقديمه مثل وليمة بائتة، فاقدة النكهة، لا تُغري مشاهداً ولا تُشبع فضولاً.
عند مشارف الحلقة الـ60 من أصل 90، تحرّكت الأحداث أخيرًا. لكن السؤال الحقيقي هو: هل ما زال هناك من ينتظر هذه الحركة؟ بعد أكثر من ستين حلقة خالية من التوتر الحقيقي، ومليئة بحوارات تعيد نفسها، ومشاهد تدور حول نقطة واحدة بلا تطور يُذكر، بدا أن المسلسل يعيش حالة من التكرار الممل، حتى في ذروات الدراما المفترضة.
بطء قاتل وهدر للفرص الدرامية
رغم امتلاك العمل لطاقم تمثيلي من العيار الثقيل — باسل خياط، باميلا الكيك، خالد قيش، سامر المصري، زينة مكي، وعباس النوري — إلا أن الطاقات بقيت مجمّدة داخل نص غير محكم.
باسل خياط، الذي اعتدنا على مشاهدته في أدوار نفسية مشبعة بالصراع الداخلي، بدا هذه المرة كأنما يقود شخصية تتعثر في خطواتها. شخصية "آسر" لا تستخدم أدواتها رغم توفرها؛ لا يتحرك إلا حين ينفد الصبر، ثم يعود إلى التردد، وكأنّ المشاهد لا يملك الحق في التفاعل مع خطة انتقام، بل فقط في مراقبة اللاحركة.
أسئلة بلا أجوبة ومنطق درامي غائب
المعضلة لا تكمن في تباطؤ السرد فقط، بل في غياب المنطق الدرامي.
لماذا لا يستخدم آسر الشريط الذي يُدين عزّت (سامر المصري) بجريمة قتل واضحة؟ لماذا لا يلجأ إلى القانون بدل إطالة حبكة الانتقام؟ لماذا يحذر الخال رستم (عباس النوري) من كشف الحقيقة، وكأن المشاهد لا يعرفها أصلاً منذ الحلقات الأولى؟
المسلسل يفتعل التشويق لكنه لا يخلقه. يُطيل الأسئلة بدلاً من أن يقدم الأجوبة.
جمهور غادر مبكرًا.. وآخر ينتظر الخاتمة
بمرور الوقت، غادر جزء كبير من الجمهور المسلسل، إما ضجرًا من الرتابة، أو انشغالاً بمسلسلات أخرى أكثر ديناميكية. من بقي، يفعل ذلك بدافع الفضول أو الولاء لأبطاله، لا لإيمان حقيقي بجودة ما يُعرض.
وفي الحلقات الأخيرة، رغم بعض التحركات في الحبكة، لم يستطع العمل تعويض ما فقده من شغف. فالشرخ وقع، والثقة ضعفت. ومن الصعب إعادة بناء الإثارة بعدما جرى استنزافها في الانتظار والبطء والمماطلة.
لماذا نجح "إيزيل" وفشل "آسر"؟
إيزيل لم يكن مجرد مسلسل انتقام، بل درس في كتابة الشخصيات المعقدة وتصعيد الأحداث بذكاء. كل خطوة في حبكة إيزيل كانت محسوبة، كل مشهد محشو بالتوتر، وكل قرار درامي له تبعاته. في المقابل، آسر تعامل مع فكرة الانتقام وكأنها رخصة للتمطيط، وحوّل الشخصية من بطل مظلوم إلى متفرج على حياته. الفرق أن إيزيل كان يقود الحكاية، أما آسر فالحكاية كانت تجرّه مثل ظل ثقيل بلا معنى. الجمهور لا يريد فلسفة الانتقام، بل يريد أن يشعر به — وهذا ما فشل فيه آسر بامتياز.
"آسر" كان مشروعاً واعدًا، بوجوه لامعة وحبكة تحمل في جوهرها عناصر الانتقام والعدالة. لكن التنفيذ جاء متراخياً، متردداً، وكأن الانتقام لا يجب أن يكون بارداً فحسب، بل خاملاً، صامتًا، منزوع التأثير.
وهكذا، تحوّل الانتقام من محرك للدراما إلى عبء ثقيل، وبدلاً من أن يكون وجبة مشتعلة، صار طبقًا بارداً فقد نكهته على مائدة دراما مزدحمة.