لم يكن فيلم "حلاق السيدات" مجرد محطة فنية عابرة في مشوار عبدالسلام النابلسي، بل كان بداية سلسلة من الانهيارات التي لحقت به على كافة المستويات. فشل الفيلم جماهيريًا، ما أدى إلى هزات عنيفة في حياة النابلسي، خاصة بعد أن أدرك متأخرًا أن حساباته كانت خاطئة، وأنه لم يُخلق ليكون "البطل الأول"، بل النجم الذي يضيء بجانب الأبطال.
من النجومية إلى الأزمات
رغم إدراكه لحقيقة موقعه الفني، لم يكن من السهل على قلب النابلسي أن يتقبل التراجع. بدأ يعاني صحيًا ونفسيًا، وسرعان ما انعكست هذه المعاناة على حياته اليومية. الأزمات توالت سريعًا، خاصة بعد إفلاس بنك "إنترا"، الذي كان يضع فيه مدخراته، ليخسر بذلك كل أمواله.
وفي عام 1961، تلقى ضربة جديدة بعدما تفاجأ بمطالبة مصلحة الضرائب له بمبلغ 12 ألف جنيه. ورغم توصله إلى تسوية خفّضت المبلغ إلى 9 آلاف جنيه، فوجئ بإحالته إلى محكمة الجنح بتسع تهم، أبرزها تأخير تقديم إقرار الضريبة. لكن التحقيق انتهى بالحفظ بعد أن أثبت عدم ارتكابه لأي مخالفة.
من مصر إلى لبنان.. الرحلة المؤلمة
بعد إغلاق الأبواب في وجهه داخل مصر، قرر النابلسي السفر إلى لبنان، وهناك بدأ في إرسال حوالة شهرية بقيمة 20 جنيهًا إلى الضرائب المصرية، ما كان يعني عمليًا أنه سيظل يسدد ما عليه لمدة 36 سنة، رغم أن القانون لا يسمح بأكثر من خمس سنوات فقط كحد أقصى.
في لبنان، عانى النابلسي من مرارة الغربة والمرض، لكنه أصر على الاستمرار في العمل رغم التعب، وحرص على إخفاء حالته الصحية عن المنتجين والمخرجين. كانت الفنانة صباح هي الوحيدة التي اكتشفت مرضه، بعد أن وجدته يتألم داخل غرفته خلال أحد التصويرات، وأخبرها وقتها أنه كان يرفع صوت الموسيقى كي لا يسمع أحد أنينه.
ورغم نصيحة صباح له بالراحة، رفض النابلسي التوقف عن التمثيل، قائلاً: "لا يمكن أبعد عن التمثيل مهما كان التمن."
الحب يطرق بابه في أصعب الأوقات
في عام 1963، وخلال مقابلة تلفزيونية، سُئل النابلسي عن سبب عدم زواجه، فأجاب بطريقته الساخرة: "للأسف، مفيش واحدة تستاهلني."
لم تكن تلك الجملة عابرة، إذ تلقى بعدها مكالمة هاتفية من فتاة تُدعى "جورجيت" عاتبته على تصريحه، وسرعان ما تحوّل الحديث بينهما إلى إعجاب، ثم عرض زواج صريح من النابلسي قائلاً: "تتجوزيني يا جورجيت؟ دي فرصة عمرك ومش هتتكرر!"
لكن الزواج واجه رفضًا قاطعًا من عائلة جورجيت بسبب اختلاف الدين، فرق السن الكبير، وكونه "ممثلًا". حاولت العائلة منع الارتباط، لكن النابلسي أصر، فاختطف جورجيت وتزوجها، قبل أن تُعيدها العائلة بوعد الاعتراف بالزواج، وهو ما لم يحدث. فكرر النابلسي فعلته، واختطفها مرة أخرى، ليعيش معها أجمل أيام عمره.
النهاية الموجعة
الفرحة لم تكتمل، رغم وصول أنباء سعيدة من مصر تُبشّر بحل أزمته، وقيل وقتها إن "كوكب الشرق" أم كلثوم كانت وراء التدخل الإيجابي. كان النابلسي يترقّب العودة إلى بلده، يحلم بالوقوف أمام الكاميرا في مصر من جديد.
وفي ليلة 5 يوليو 1968، كان النابلسي يسهر مع أصدقائه المقربين: نيازي مصطفى، فريد شوقي، وهدى سلطان. جلسوا يتبادلون الذكريات والضحك، حتى غلبه التعب فجأة، وسقط مغشيًا عليه. هرعت زوجته جورجيت لطلب الإسعاف، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة داخل السيارة، وهو ممسك بيدها.
إرث فني لا يُنسى
رغم النهاية المأساوية، يظل عبدالسلام النابلسي علامة مميزة في تاريخ السينما المصرية والعربية. الممثل الذي أضحك الملايين، عاش مأساة صامتة، لكنه بقي مخلصًا لفنه حتى آخر رمق.