في مثل هذه الأيام قبل 30 عاماً، رحل الفنان الوطني الذي أعطى نفسه كلها لبلد أحبه حتى أخر كلمة قالها. نبيه أبو الحسن "أخوت شاناي".
متهكماً ليوصل رسالته الجدية. بقفشاته وكلماته الساخرة التي حمّلها الكثير من المعاني المتداخلة بين الاستهزاء والمرارة والجنون والرزانة كان يقول ما لا يجرأ أحد أخر على قوله.
البدايات الحالمة من الضيعة نحو أفق الفن
ترعرع نبيه أبو الحسن في بلدة بتخنيه جبل لبنان.
يصف نفسه فيقول "نحن تسعة أشخاص في ظلّ أب وأم كنّا قانعين بالحياة الطيّبة التي نعيشها في بلدة (بتخنيه) وكان للأسرة نصيبها في المزارع والحقول وكنت أتحمّل شقاوة أخوتي وأتبنّى أيّ موقف أو حادث ما دامت المسألة لا تجرح كرامتي.
كنت في الخامسة من عمري عندما صرت أرافق أمّي إلى الحقول وكنّا نغنّي طوال الطريق وفي ظلّ ذاك المناخ والطبيعة والوديان والجبال كان الجمال يتفاعل بداخلي وحملني لعالم الفنّ.
نزلت إلى بيروت وكنت حينها في السابعة عشرة وكان سلاحي شهادة السرتيفيكا. وواصلت تعليمي ليلاً والعمل نهاراً وتعلّمت الموسيقى في الكونسرفتوار.
كنت توّاقاً للغناء والتلحين، ثم عملت في الصحافة وحزت على شهادة (الهاي سكول). ثم تلقّيت منحة لإكمال علومي في النقطة الرابعة قسم الصحّة، فاخترت تعلم الإنكليزيّة. لكنّ الفن كان يتفاعل بداخلي فقدّمت اسكتشات وعزفت على العود."
من أستاذ رياضة إلى فنان تعاون مع الكبار
عمل في مطلع شبابه كأستاذ رياضة وفي المصرف وفي الصحافة. إلا أن الصدفة قادته إلى استديوهات الإذاعة اللبنانيّة، فقدم أدوارًا صغيرة.
ثم بدأت رحلته مع الكبار في مجال الفن الذين صنعوا المسرح اللبناني. فشارك في إحدى مسرحيات فرقة منير أبو دبس، ثم مع شكيب خوري ، فمسرحيّة "الفرمان" لناديا تويني، وتقاسم بطولتها مع شوشو.
لكن اللقاء الفعلي مع شوشو، لم يبدأ إلا مع مسرحية "اللعب عالحبلين". ثم قدّم مع ريمون جبارة وبيرج فازليان مسرحيّة "لعبة الختيار".
الأخوت الذي كان عاقلاً
قبل أن يؤدي شخصيته الشهيرة "الاخوت" في مسرحيّة "جحا في القرى الأماميّة". بتلك اللهجة الشّوفية التي استقاها من مسقط رأسه، وحقق بتلك الشخصية نجاحاً كبيراً. وبات البطل المنتظر الذي يعبر عن وجع الناس.
وباتت شخصيته في كل الاعمال التي قدمها بغد ذلك، منها "نابليون وأخوت شاناي" و"الشاطر حسن" إخراج بيرج فازليان، و"أخوت شناي في الجبهة" إخراج ريمون جبارة.
كما جسدها في التلفزيون مع الكاتب أنطوان غندور في مسلسل "أخوت شناي" وفي مسلسل "كانت أيام" للمخرج باسم نصر.
لم يبدل نبيه أبو الحسن في وجهه أو شخصيته. كان واحداً ثابتاً على مرّ عمره الفني. لكن في كل دور قدمه كان يصنع حدثاً وطنياً.
لم يرث أي فنان قامته ولم يعطي موهبته في مجال التمثيل لسواه. كان فريداً ومتميزاً. هذا "الأخوت" الذي جعل من فنه ترداد مقولات تتناقلها الأجيال وبات محط مثل.
تكريم وطابع وتمثال
حاز نبيه أبو الحسن على عدّة أوسمة وجوائز تقديرية من رؤساء جمهورية ووزراء وهيئات محلية وعربية. كذلك أصدرت الحكومة اللبنانية طابعًا تذكاريًّا باسمه في العام 1911، وكُرّم بوسام الأرز من رتبة فارس من قبل رئيس الجمهورية بعد وفاته .وهناك نصب تذكاري له في بلدته بتخنية.
الرحيل او التصفية
توفي نبيه أبو الحسن على طريق أدونيس، في حادث سير قيل إنه كان مفتعلا ومدبرا، ثمن مواقفه الجريئة ونظرته السياسيّة المباشرة تجاه لبنان وسيادته، وذلك قبل أسبوع من تقديم مسرحية "أخوت حتى السلام" الّتي قام شقيقه المهندس محمود أبو الحسن بتمثيلها وفاء له.