في أواخر العشرينيات، أسس الشاب حبشي جرجس أول إذاعة أهلية في مصر بعد عودته من لندن، حيث درس هندسة اللاسلكي. استعان بمعدات قديمة حصل عليها من تاجر بقايا حرب يُدعى إلياس شقار، الذي تحوّل من بائع إلى شريك في المشروع، وبدأ البث من مقر صغير في القاهرة.
فتحت المحطة باب الاشتراكات مقابل نصف ريال شهريًا، مع خدمة مميزة: إذاعة الأغنية التي يطلبها المشترك في أي وقت، بشرط ذكر رقم اشتراكه.
صفقة غامضة بخمسين جنيهًا
بين المشتركين ظهرت سيدة ثرية عرضت خمسين جنيهًا دفعة واحدة، وهو مبلغ ضخم آنذاك، مقابل شرط بسيط: أن تُذاع لها أغنيتان كلما طلبت، الأولى "الجو رايق" لمحمد عبد الوهاب، والثانية "الجو غيم" لصالح عبد الحي.
في البداية لم يرَ جرجس في الأمر ما يثير الريبة، بل اعتبره نجاحًا ماليًا للمحطة. لكن المفاجأة كانت قادمة.
عبد الوهاب أمام التحقيق
بعد فترة، داهمت الشرطة مقر الإذاعة وأوقفت البث، ثم استدعت محمد عبد الوهاب وصالح عبد الحي للتحقيق.
كشفت التحريات أن السيدة لم تكن عاشقة للموسيقى، بل زعيمة عصابة تهريب مخدرات. كانت تستخدم الإذاعة كوسيلة مشفرة للتواصل مع أفراد شبكتها: إذا سمعوا "الجو رايق" عرفوا أن الطريق آمن لتمرير الشحنات، أما "الجو غيم" فكانت إشارة إلى الخطر وتأجيل العملية.
براءة جرجس وإدانة العصابة
أثبتت التحقيقات أن حبشي جرجس لم يكن على علم بالمخطط، فأُفرج عنه، بينما أُدينت السيدة وأفراد عصابتها. أما محمد عبد الوهاب، فخرج من القضية دون اتهام، لكنه ظل لسنوات يروي كيف تحوّلت أغنياته إلى "كلمات سر" في واحدة من أغرب قضايا التهريب في مصر.
إذاعة صنعت الجدل
هذه الحادثة جعلت اسم الإذاعة الأهلية مرتبطًا بفضيحة كبرى، لتبقى قصة الأغنية التي أشعلت التحقيقات واحدة من أكثر الحكايات غرابة في بدايات البث الإذاعي في مصر.