«فيروز خارج السمع»، وهي تكره الإعلام. حقيقةٌ متّفقٌ عليها ولموقفها أسباب يشرحها الشاعر والإعلامي والناقد الفني عبد الغني طليس في منشور طويل كتبه عبر صفحته في «فيسبوك»، كشف خلاله وللمرة الأولى، أسراراً لا يعرفها أحد عن علاقة فيروز بالوسط الإعلامي، كما كشف ما تسبّب بابتعادها الجذري والصارم عن الإعلام والإعلاميين، معتبراً أنها متعَبة ليس من الإعلام فحسب، بل من الحياة كلّها، مشبّهاً الطريق الذي اتّخذته في علاقتها مع الإعلام، بحالة التوحّد المتعمّدة.
يوم صرخ نجيب حنكش بفيروز
يوضح طليس أن فيروز في مرحلة بداياتها، بعد زواجها من عاصي الرحباني، كانت خجولة جداً، وكانت حينها تُحب الصحافة وتلفزيون وإذاعة لبنان، إلاّ أن عاصي ومنصور كانا يجريا المقابلات بدلاً منها، وكان عاصي يُصرّ على أن تكون فيروز حاضرة في المقابلات، لكن بإشرافه المباشر. وكانت كل المقابلات التي تجمعهما، والتي ما زالت موجودة في أرشيف تلفزيون لبنان، تبدأ بعاصي ثم منصور ثم فيروز.
وبحسب طليس، لم تكن فيروز حينها، قد تحصّنت بالردود المناسبة، ولا بالأجوبة الحاسمة التي كان الأخَوان يتولّيانها عنها. مستذكراً أحد المواقف التي جمعتها بنجيب حنكش خلال إحدى المقابلات، حين «صرَخ» بها مرّة بظرفه المعهود «إنتِ ما بتحكي؟» أجابت بالخجل عينه «أنا بغني».
وتحدّث طليس عن هيمنة عاصي على فيروز، مشيراً إلى أنها في تلك المقابلات، كانت تتكلم وتنظر إلى عاصي لتعرف مدى تجاوبه أو اطمئنانه لما تقول. وهو ما حصل في مقابلة لها والأخوين الرحباني مع التلفزيون المصري في أوائل الستينيّات، حيث «ضاعت» في ما تقول لأن الغلط عند عاصي كان ممنوعاً وهي لا تملك سرعة البديهة وسرعة التخلّص في المواقف العادية فكيف بالمواقف المحرجة، مع أنه لم يكن هناك إحراج بل احتفاء بالثلاثة اللبنانيين الذين نهَضوا بالفن اللبناني الجديد الذي استقبلته مصر بكثير من الإشادة والترحيب.
كان عاصي يطلب الأسئلة ويجيب عن فيروز
واعتبر طليس أن السنوات الأولى من ثلاثية عاصي ومنصور وفيروز كانت فيها فيروز مُتلَقّية لا مُبادِرة، وكانت تلتزم شروطاً معينة يضعها عاصي بالتحديد، لكي تظهرَ بأفضل صورة في الإعلام.
ورغم تطوّر غنائها، بقيَت فيروز حتى مقابلاتها في السبعينيات مُربَكة في التعبير عمّا تريد أو يريد عاصي. كاشفاً أن هناك عدداً كبيراً من المقابلات الصحافية كان عاصي يطلب الأسئلة من الصحافي ويجيب عنها باسم فيروز، وكان هذا التصرّف لا يزعج فيروز أبداً بل يريحها من هَمّ الحوار ومتاعبه فتنصرف إلى الغناء.
وتطرّق طليس إلى الحياة الثانية التي عاشتها فيروز، بعد حصول الخلاف الشخصي والفني بينها وبين الأخوين الرحباني، فما كان يُلقَى على عاصي ومنصور من هموم الإعلام و«مخاطره» أصبح مطلوباً من فيروز أن تواجهه، حيث عاشت أصعب وأبشع المواقف مع بعض الصحافة اللبنانية الصفراء التي استغلّت خلافها النهائي مع عاصي ومنصور وانبَرت تهاجمها في كل ما تفعل، وحتى في ما لم تفعل.
عناوين لا أخلاقية أبعدتها عن الإعلام
وكشف طليس أن قرار ابتعاد فيروز الصارم عن الإعلام، اتّخذته حين بدأت تتصدّر أخبارها المجلات مع عناوين لا أخلاق أو معايير مهنية تحكمها، وظهرت مسألة اتهامها بعلاقة مع فلان أو آخَر، بالأسماء.
عندها انقطعت فيروز عن الإعلام وتركته يستنفد ما لديه من «أخبار» لتدخل حياتها الفنية الجديدة بأُذُنين لا تسمعان الشواذَ المتفاقم عنها، وإنما تستعدّ للألحان التي كان يحضرها لها زياد الرحباني وفيلمون وهبي ورياض السنباطي.
«أجرت في تلك الفترة مقابلة وحيدة مع كبير مذيعي إذاعة لبنان محمد الكردي»، يقول طليس. ويضيف: «بعد أخذ وردّ وجدال في الفائدة أو الضرر منها، وافقت فيروز، لكن على طريقة عاصي، أي طلبَت من الكردي الأسئلة، وكانت بالفعل أسئلة دقيقة ومهمة تتعلّق بصورة المستقبل أمام فيروز. ولأن الخوف والخجل والتردّد وعدم القدرة على مواجهة الشائعات، كانت لا تزال تحكم فيروز، فقد طلبَت إلى الشاعر جوزف حرب، أن يكتب الأجوبة، فكتبها، وأُجريَت المقابلة، وتلَت فيروز الإجابات المكتوبة أمامها، وكانت إحدى أقوى مقابلاتها إذ حفلت بالكثير من النقاط التي كان الجمهور يريد معرفتها». ولفت طليس إلى أنه طلب يومها من رئيس تحرير مجلة «الشبكة» جورج ابراهيم الخوري نشر المقابلة الإذاعية في المجلة، ونالت المقابلة ونشرُها في المجلة استحسان الكثير من الفنانين والمعنيّين الذين اعتبروها وثيقة قوية.
ويؤكد طليس في منشوره أن فيروز قطَعت التواصل المباشَر بينها وبين الصحافة، باستثناء بعض الصحافيين الذين كانوا يحبّونها ومُعجبين بها فكانت تستقبلهم بدعوات محدّدة، ونادرة جداً، حين تدعو الحاجة الملحّة كأنْ يكون في أجندتها حفلة …