TRENDING
ميرنا في


تماهت ستيفاني عطالله في أداء دور ميرنا حتى الذوبان، جسّدت الشرّ بنعومة الذكاء، والكراهية بأناقة الهدوء، والدهاء ببرود الملامح.

صاحبة العيون المراوغة لم يكن أداؤها انفعالياً، بل مدروساً، ينبض بتلك المسافة الغامضة بين العقل والجنون.

ميرنا لا تتصرّف بعفوية، بل تخطّط لكل شيء، تراقب وتستبق، تأخذ نَفَساً قبل كل خطوة، وكأنها تُجري حساباتٍ في داخلها لا نراها. وحين تطلق لعفويتها العنان، لا يظهر منها سوى وجهٍ متّقدٍ بالغيرة والرغبة في السيطرة، كأنها تستبدل قلبها ببارود.

في الحلقات الأخيرة، حين انقلب السحر على الساحر وعاشت ميرنا طقس الخوف والتهديد، خُيّل إلينا أن تلك التجربة ستكسرها أو تُعيد ترتيب ملامحها الداخلية، لكن شيئاً لم يتبدّل. استمرّت في حقدها، في وفائها المَرَضيّ لأذيتها، وفي تفانيها في الكره كما يتفانى الآخرون في الحب.


هنا يطرح المسلسل سؤالاً فلسفياً أكثر منه درامياً:

هل الكره مرض؟ هل الغيرة مرض؟ وهل الأذى النفسي فعلٌ ناتج عن خللٍ أم عن اختيارٍ واعٍ؟

يقدّم العمل ميرنا كأنها حالة سريرية: مريضة نفسياً، ذات ميول انتحارية، كما يُصرّح الطبيب النفسي في الأحداث. لكنها، في الوقت نفسه، تملك ذكاءً لافتاً وقدرةً مذهلة على التخطيط، وتتمتع بذهنية صافية تُدير بها مكائدها كمن يكتب روايةً بإتقان.

فكيف يمكن لعقلٍ مريض أن يكون بهذه الحدة من الذكاء؟

وهل الشرّ، حين يُمارَس بهذه الدقة، يُعَدّ اضطراباً أم موهبة قاتلة؟

ميرنا تحبّ أيضاً، تحبّ أهلها، وتضحي لأجلهم، كأنّها تحمل قلبين: أحدهما يعرف الحنان، والآخر لا يعرف سوى الانتقام. هذا التناقض يجعل من شخصيتها لغزاً نفسياً وجمالياً في آن.

إنها لا تكره الجميع، بل تختار ضحاياها بعناية، وتحبّ بانتقائيةٍ فيها نرجسية عميقة. وهذه الانتقائية تحديداً هي ما يجعلنا نتساءل:

هل ما نراه مرضاً وهو في جوهره انحراف في طبيعة الحب؟

أم أنّ الشرّ حين يسكن روحاً ذكية، يتحوّل إلى فنٍّ من فنون السيطرة؟

يبقى مسلسل «سلمى» متقناً في رسم التوترات بين الشخصيات، لكنّه، في حالة ميرنا، يترك ثغرة مفتوحة بلا إجابة درامية مقنعة. فالشرّ في ميرنا ليس له علاج، والمرض فيها ليس له تشخيص. إنها تمشي على الخيط الفاصل بين العقل والهاوية، وتُبقي المشاهد في حيرةٍ من أمره:

هل يشفق عليها، أم يخاف منها؟

هكذا خلقت ستيفاني عطالله بشخصية ميرنا واحدةً من أكثر الشخصيات النسائية تعقيداً في هذه الدراما الشيقة، امرأةٌ مريضة بذكائها، وعاقلة بجنونها، وشريرة بحجم الوعي الذي تمتلكه.