TRENDING
ميديا

نيشان يفجّر الختام: عندما يتحوّل الميكروفون إلى قنبلة موقتة

نيشان يفجّر الختام: عندما يتحوّل الميكروفون إلى قنبلة موقتة

في لحظةٍ بدت كما لو أنّ أحدًا قرّر قلب الطاولة على البروتوكول، أخذ الزميل نيشان ديرهاروتيونيان بزمام الجلسة الختامية في الملتقى الإعلامي العربي الذي ختم أعماله أمس الخميس في بيروت، وحوّلها من خطابٍ رسميٍ متوقع إلى ساحة اشتباك: سؤال مباشر لهالة سرحان الإعلامية المخضرمة، ملفّ شخصي يتداخل مع العام، وحوارٌ امتدّ إلى ما وراء النصّ المنقّح. لم تكن مجرد حيلة صحفية. كانت عملية حسابية مكتملة: جرعة صدمة يتبعها تفاعل حضوري يتبعه انتشار فوري.


نيشان: مدير جلسة أم ضابط متفجرات؟

نيشان لم يفعل شيئًا معزولًا عن قواعد المهنة؛ هو فعل ما يفعله كل من يعرف أن الجمهور لا يتذكّر المحاضرات الطويلة بقدر ما يتذكّر الانفجارات الكلامية. لكنه أيضاً وضع علامة استفهام كبيرة على حدود مسؤولية من يدير الندوة: هل عليه أن يتحوّل إلى عامل إشعال لترقية المشاهدات أم إلى حارس على جودة النقاش ونداءات العمق؟


 القدرة على تحويل الحدث إلى "ترند" ليست شهادة جودة، لكنها سلاح فعال. نيشان استعمل السلاح بحرفية — والنتيجة كانت مزدوجة: نجا النقاش من النسيان، لكنه أيضاً جرّ الجلسة إلى جدلٍ حادّ سرعان ما طغى على مضامين الملتقى العربية الأوسع.


هالة سرحان: ضحية الجدل أم طرف مشروع في نقاش عام؟

طلب التعليق منها لم يكن استفزازًا عشوائيًا؛ كان محاولة لسحب الحدث الخاص إلى الفضاء العام. المشكلة أن النقاش تحوّل سريعًا من مساءلة مهنية إلى لعبة اتهامات وصراع أدوار: مراسلة شابة، اسم كبير، اتهامات تتسارع — ثم هرج ومرج.


هنا تكمن الإشكالية الحقيقية: عندما يصبح "التراشق" مادة للندوة، يتراجع السؤال الأساسي: ماذا تعلمنا عن مهنة الصحافة نفسها؟ هل حماية المبتدئين أهم أم إظهار "المخالب" في الحوار العام؟


الترند يسرق المشهد العميق

جلسات عميقة مثل تلك التي جمعَت المنتج صادق الصباح بالنجمين أيمن زيدان وزهير النوباني مرّت بهدوء، غنية بالمضامين والرؤى. ولم تُحدث ضجة، لأنّها لم تُقدّم بهارات الإثارة. وهذا درس مُرّ: الترند لا يقيس الجودة، لكنه يضمن البقاء في الذاكرة العامة.


صادق الصباح تحدث عن معايير إنتاج تهم السوق والشركة معًا؛ زيدان صرخ بألم من تهميش الكبار؛ والنوباني اختصر التعايش مع الواقع المحلي. كل ذلك أقل وقعًا من سؤالٍ واحد مفاجئ أطلقه مدير جلسة — لماذا؟ لأن القلب الإعلامي يشتدّ لنبض الانفعال أكثر من تذوق الطهي الاحترافي.


أين دور مدير الجلسة؟ ضبط البوصلة أم تفجير المشهد؟

المدير الجيد يعطي مساحة متوازنة للضيوف، يعرف متى يضغط ومتى يهدئ. لكن عندما يُستعمل المايكروفون كأداة "تفجير" إن لم يكن في مصلحة النقاش، يصبح المشاهد متعبًا: استفزازات تخدم التداول اللحظي لكنها تفسد بناء الحوار.


نيشان قد يكون بطلاً أو خاطئًا — بحسب زاوية النظر. لكنه فعّل حقيقة لا تُحبّ التجاهل. الجمهور يتوق للدراما، والمنصات تتكئ على الترند. ما فعله لم يكن مجرد استفزاز بلا هدف، بل كان وسيلة لإيقاظ نقاشات كانت لتمرّ مرور الكرام، وجعل الحدث حيًا ومؤثرًا. هو أراد أن يُذكّر الجميع بأن الإعلام ليس محض كلمات متناغمة على الورق، بل هو حراك مستمر، نبض مباشر مع الواقع، ومسؤولية لإشراك الجمهور بطريقة لا يمكن تجاهلها.


إذا أردنا أن يبقى بيروت عاصمة الإعلام فعلاً، فعلينا أن نتقبّل أن الجرأة أحيانًا لا تُفسد الحوار، بل تُعيد له الحيوية. نيشان لم يخرق المهنة، بل أعادها إلى قلب الجمهور، وجعل من الميكروفون أداة للإثارة الذكية بدل الصمت الممل.