TRENDING
Reviews

"إنتاج محلي"… مارك قديح يوقظ المسرح، والخال وشلق يشعلان خشبته


"إنتاج محلي" مسرحية للكاتب والمخرج مارك قديح وتمثيل يوسف الخال وعمار شلق.

عاد الضوء إلى مسرح الإليزيه في الأشرفية معلنًا صخب الحوار وتفجير اللهم على خشبة كان لها تاريخ في الأعمال المسرحية من روميو لحود إلى نبيه أبو الحسن وملحم بركات وصباح.

مارك قديح، العائد بعد غياب 20 عامًا، أراد الضوء كثيفًا وغامرًا، جال أفكاره وكتب معاناة بين الضحك والدمع. حكاية تصحّ أن تكون عالمية، وأشعل بها أضواء المسرح المُنطفئ.


يوسف الخال الثائر أبداً

يوسف الخال في هذا العمل المسرحي الذي يحكي عن معاناة كاتب ومنتج. كاتب يريد أن يوصل أفكاره دون اجتزاء، ومعه منتج "عمار شلق" يريد استرداد أمواله. وتفتح السيرة على وطنٍ الفنّ فيه، كما كل شيء، خاضع للكثير من التحوّلات.

لا يكتفي قديح بمعالجة ظاهر الأمور، بل غاص عميقًا في أفكاره ووصل بها إلى فتح ملفّ كبار المنصّات والإنتاجات في العالم، من "نتفليكس" إلى "شاهد"، ودلَف نحو الأفكار المتحوّلة والموضوعات الغريبة التي باتت تشكّل كوارث اجتماعية وتبنّاها الفن ومحطات الإنتاج.

يوسف الخال في هذه المسرحية لا يختلف كثيرًا عن ثورته التي نعرفها في لقاءاته الإعلامية، فهو الثائر المنتقد والرافض، والذي لا يقبل المسايرة ولا التزلّف؛ فدومًا صوته مرفوع، وفي "إنتاج محلي" أتاه النص جاهزًا ومعبّرًا وواسعًا حتى يرفع وتيرته لتصل للجميع بشكل مباشر وحيّ. المسرح يستطيع أن يستوعب النبرة العالية والمشاكسة والأفكار التي تهدم لتعمر.


مسرحية العمق الفلسفي بين السخرية والوجع

مسرحية العمق الفلسفي جاء بها قديح، وكأنه صبّ كامل تجربته وعذاباته وسخريته، ورصّها في نص ثقافي يتشظّى وجعًا وثورة وانكسارًا، دون أن يسلم من لسانه وتعابيره أحد: لا سياسي، ولا مواطن، ولا تبدّل أفكار، ولا أجواء فنية تمدّ تغيّراتها من الغرب نحو الشرق.

عمار شلق في أبهى تجلي

عمار شلق بشخصية سامر، ممثل بحلّة جديدة وصوت جديد وروح جديدة. شخصية لا تشبه ما نعرفه عن الممثل القدير الذي لا يصنع الشخصية بل يولدها ويشذّبها، ويولد من خلالها إنسانًا جديدًا نعرفه للتو، وهو يتحرك أمامنا بقامته الرقيقة وصوته الناعم وخصره وأكتافه. ممثل يجيد الرقص أكثر من الراقصين أنفسهم.

عمار شلق في "إنتاج محلي" ينتج نفسه من نطفة التحول والإبداع، ويبدو لنا شخصية كونية، عرقه يسيل على وجنتنا وحركته تسكننا كأننا في لسان حواره. شلق المبدع، المولود بنص مارك قديح، متعة فكرية وبصرية؛ كلامه، حركات جسده، طباعه كلها تأتي بغمرة مسرحية مذهلة، يأخذنا معه حيث يجب أن نحلّق. فعندما يستعصي علينا النص، يكون هو موجودًا بجسده اللين وصوته الغامر ليفتح لنا عوالم الفهم والإدراك.


نص قديح في "إنتاج محلي" ليس نصًا سهلًا ولا أفكاره متداولة، بل هو يفتح الخوف ويناقش الكون بتحوّلاته، ويدقّ ناقوس الخطر، ويرفع الصوت المخفي، ويناقش ويحلّل على لسان ممثلين قديرين قادرين على إيصال الرسالة وتتويج النص بالأداء الخلّاق.

تبدو "إنتاج محلي" أكثر من مسرحية؛ إنها مرآة لزمن مضطرب، وصوتان يتقدان فوق خشبة تبحث عن خلاصها. مارك قديح يعيد إلى المسرح شغفه القديم، ويوسف الخال وعمار شلق يشعلان الخشبة بما يكفي ليوقظا الأسئلة النائمة فينا.

هنا، في هذا العمل، لا يعود الفن ترفًا… بل ضرورة، صارخة مثل الحقيقة، وجميلة رغم كل شيء.