TRENDING
Reviews

سينما لبنانية بلا تزييف: لماذا يُحرج فيلم FakeBook كثيرين؟

سينما لبنانية بلا تزييف: لماذا يُحرج فيلم FakeBook كثيرين؟

قبل ستّ سنوات، صوّر المخرج إيلي حبيب فيلمه "FakeBook" (بطولة عبدو شاهين، دجى حجازي، بديع أبو شقرا، كارلوس عازار، سعيد سرحان وأمل طالب) ولأسباب تتعلّق بوضع البلد لم يُعرض. ست سنوات تبدّل فيها كل شيء، خارطة النّجوميّة تبدّلت، أشكال بعض الممثلين، ذائقة الجمهور، لم يبقَ شيء على حاله.

حاول صنّاع العمل حماية أنفسهم بالتنويه إلى أنّ القصّة حصلت في العام 2019، غير أنّ الفيلم كان ليبدو وكأنّه صوّر بالأمس، لولا صورة رئيس الجمهورية آنذاك الجنرال ميشال عون في الخلفية.

الفيلم لم يُكتب ولم يُصوّر ليُعرض في حقبة ويصبح بعدها طيّ النسيان. بل هو عمل يكتب مرحلة جديدة في تاريخ السينما اللبنانية، لا خفّة، لا استسهال، لا نص كُتِب وصُوّر لجمهور المهرجانات فحسب، ولا عمل أُنتج بنفس تجاري ليبيع في شبّاك التّذاكر، هو فيلم متكامل تشعر بعده أنّ السينما اللبنانية بألف خير.

قصّة الفيلم

يبدأ الفيلم من قصّة تبدو مستهلكة، عن ضابط يحاول الإيقاع بتاجر مخدّرات يركّز نشاطه بين طلاّب المدارس، غير أنّ القصّة تتشعّب، لتتخطّى الصّراع التقليدي بين الضابط الشريف وتاجر المخدّرات المحمي بضبّاط يُباعون ويُشترون في سوق الممنوعات، كما تتخطّى الصّراع بين الضبّاط أنفسهم أمام مغريات المال، لتدخل إلى بيوت المشاهدين، الذين يظنّون أنّهم خلف جدران المنزل محصّنون.

على مدى ساعتين ينجح الفيلم في الإمساك بالمشاهد، يخطف الأنفاس بإيقاع تصاعدي، لا حشو، لا فراغ، لا مشاهد مفرغة من سياقها الدرامي. الحبكة عبقرية، أذكى حتى من المشاهد الذّكي الذي يظنّ أنّه أمسك بخيوط اللعبة كلّها، وأنّ الخاتمة ستكون كما توقّعها.

أبطال العمل

يبدع عبدو شاهين بدور الضّابط الشريف الذي عندما تخونه العدالة يستخدم أساليب ملتوية ليطبّق العدالة كما ينبغي لها أن تكون. لو عُرِض الفيلم منذ سنوات، لكان عبدو اليوم في مكانٍ آخر، بين نجوم الصف الأوّل يسند عملًا بأمّه وأبيه.

بديع أبو شقرا، المجرم المثقّف، ملعبه مدارس الأولاد، يحفظ الكثير من الحكم ولكل موقف حكمة. الحياة خانته ومزّقته فانتقم منها على طريقته الخاصّة. هو مجرم قادم من خلفية قهرٍ، قليلة هي الأعمال التي تضيء على خلفية تاجر المخدّرات الذي يتلذّذ بتدمير ضحاياه بعيدًا عن كونه مجرّد تاجر يبيع ويشتري في سوق البراءة سلع الموت.

كارلوس عازار، الضابط المربك، الذي تشاهد الفيلم كاملًا لتتمكّن من كشف سرّه، مبدع كارلوس وصادق وحقيقي.

دجى حجازي، بدور الأم التي تجد نفسها تحارب طواحين الهواء، هي الوحيدة التي لم تغرق في مستنقع لم يخرج منه أحد نظيفًا. صادقة دجى في أمومتها، لا تحتاج لأنّ تمثّل لتقنع.

أمل طالب، خلعت عنها رداء الكوميديا، أدّت دور ضابط في قوى الأمن، تتواطىء مع زميلها ظالمًا ومظلومًا. بعيدًا عن الكوميديا، لدى أمل الكثير لتقدّمه.

سعيد سرحان زينة العمل، ظريف طريف يضفي أجواءً كوميدية تخفّف من السّواد المحيط بالشخصيات المحيطة.

مسا إيلي حبيب، كان عمرها عشر سنوات فقط عندما أدّت دور طفلة تتعرّض للخطف، أسرّت لنا بعد مرور ست سنوات على تصوير الفيلم أنّها كانت تخشى مشاهد الدّم، هو سرّ لم تفصح به حتّى لوالدها يومها. تثبت مسا مقولة إنّ فرخ البط عوّام، وإنّ الفنّ يورّث حين يكون الميراث بالجينات.

إخراج عالمي لفيلم محلّي

نقاط قوّة الفيلم كثيرة أبرزها الإخراج، مشاهد المطاردات نّفّذت بمستوى يضاهي إنتاجات هوليوود، وبين المطاردات والمشاهد الإنسانية التي تستفز دمعة من هنا وابتسامة من هناك، تنتقل الكاميرا بسلاسة، لتضع أمام المشاهد فيلمًا لا يتوجّه إلى محبّي الأكشن فحسب، بل إلى محبّي القصص العاطفية التي تشبه كلًا منّا.. كلٌّ على طريقته.

أما الأجمل في الفيلم، فهو مشاهدة البيئة اللبنانية كما هي، لا كما يريدها صنّاع العمل أن تكون في عيون المشاهدين العرب. أماكن تشبهنا، نعرفها، ونعرّف المشاهد العربي عليها ليختبر بيروت بحقيقتها.

" FakeBook " هو فيلم يبدأ من الذّروة وينتهي إلى الذّروة، مدهش بتفاصيله أكثر ممّا هو مدهش في سياقه العام على أمل أن ينصفه شبّاك التّذاكر الذي انصرف عنه كثيرون عندما بدأت المنصّات بنقل السينما إلى البيوت. هو عمل يستحق أن تغادر بيتك لتشاهد ثم تعود محمّلًا بالدهشة وبالكثير من المشاعر المتضاربة.