انتظر جمهور الفنانة القديرة سميرة توفيق استضافتها "النهار"، حتى اكتشاف الكثير من تفاصيل حياتها الشخصية والفنيّة الغنيّة، والأهم تصحيح العديد من المغالطات والمعلومات الخاطئة التي تجذّرت حولها، شعبياً وإعلامياً، وحتى على الموسوعة الإلكترونية “ويكيبيديا”.
اشتاق الجمهور رؤيتها، وبدت في إطلالتها كما عهدها، محافظة على ملامحها العربية الدامغة الممزوجة بروح فنّها وعطر البادية وألحانها وليالي عشقها وبردها ونارها.
المقابلة النادرة أشبه برحلة في التاريخ وحقباته. استعادت سميرة توفيق وصلات شيّقة من الذاكرة، أعادت المشاهد والمستمع إلى الزمن الجميل، وعرّفت جيلاً جديداً على فصل من الأصالة لا يُنسى.
عمر من النجومية ورمز من رموز العالم العربي. سميرة توفيق، ابنة الأشرفية، اللبنانية العربية العابرة للحدود فتحت دفتر الذكريات وأرضت حشرية المحبّين والمنتظرين المشتاقين.
وظهرت “سمراء البادية” أمام محاورتها رئيسة مجموعة “النهار” الإعلامية الزميلة نايلة تويني، في إطلالة نادرة بعد غياب طويل عن الإعلام، حيث تحدّثت “من القلب إلى القلب”، حول بداياتها منذ حصولها على اسمها الفني، وغنائها للمرةّ الأولى في الإذاعة اللبنانية، ثم في الإذاعة السورية، قبل انطلاقها عربياً من الأردن، وقِدم علاقتها بالدول الخليجية والإمارات حيث تُقيم حالياً، بالإضافة إلى محاور أخرى لا تقل أهميةً.
ونفت توفيق ما أوردته “ويكيبيديا” حول أصولها السورية من مدينة السويداء، مشدّدة على أنها لبنانية ابنة “ريّس بحر” لبناني من منطقة الرميل في الأشرفية، ومنزلها في الحازمية، قرب العاصمة بيروت. وأضافت: “عائلتي لبنانية، وأنا لبنانية، وسأظل فخورة بلبنانيتي”.
وروت المطربة الكبيرة لمحاورتها نايلة تويني ذكريات خطوتها الأولى في عالم احتراف الغناء من خلال الإذاعة اللبنانية، حيث راهن عليها توفيق بيّومي الموسيقي المصري المقيم في لبنان، وعودتها إلى الحي محل سكنها لتحظى باستقبال بالزغاريد والأرز من السكان والجيران. ثمّ أخذها إلياس القطريب، عازف العود وصديق والدها، في كنفه وعلّمها لهجات عربية عدّة على رأسها العراقية، قبل أن تتجه إلى الإذاعة السورية، وتختار اسمها الفني سميرة توفيق، مستندة إلى قولها “التوفيق من الله”.
موقف الملك الحسين الإنساني
وكشفت المطربة اللبنانية الكبيرة تفاصيل محاولة موسيقيين كبار إحراجها وإفشال وصلتها الغنائية أمام العاهل الأردني الراحل الحسين بن عبد الله.
وقالت إنها بعد غنائها في الإذاعتين اللبنانية والسوريّة، طلبها وزير الإعلام الأردني صلاح أبو زيد لحفل الافتتاح في بلاده عام 1959، فتواصل مع الأخوين عاصي ومنصور الرحباني، لاستقدام فنانين لبنانيين إلى الحفل، طالباً بالتحديد صاحبة أغنية “أسمر خفيف الروح” (كلمات وألحان توفيق النمري)، فحضرت توفيق مع والدها ووالدتها إلى لقائهما في “استديو بعلبك”، حيث وافق ولي أمرها من دون الاطلاع على العقد، مع شرط واحد بزيارة القدس.
واعتلت توفيق المسرح خلال حفل الافتتاح بحضور الملك الحسين وزعماء وشخصيات كبيرة، لكن خمسة أعضاء من الفرقة الموسيقية ورئيسها، عزفوا على طبقة مرتفعة غير المتفق عليها، فطلبت إصلاحها من دون جدوى، فما كان منها إلّا الانحناء أمام الملك والذهاب باكيةً إلى خلف الكواليس، حيث لحقها الحسين مواسياً، وواعداً إياها بانطلاقة مدوّية من الأردن.
وأضافت: “تمت دعوتي إلى الأردن لاحقاً من أجل إحياء الأغاني التراثية والفلكلور الأردني، وتمّ تسجيل الأسطوانات وتوزيعها إلى جميع الدول العربية وإذاعاتها من خلال سفارات الأردن. هكذا بدأت شهرتي العربية وصرت تحت الأضواء”.
وشدّدت توفيق خلال المقابلة، على عمق علاقتها بالملك الراحل ونجله الملك عبدالله وزوجته الملكة رانيا.
الإمارات كرّمتني كابنة لها… والشيخ زايد “الأب الحنون”
وخاضت توفيق في عُمق علاقاتها وقِدمها بدول الخليج العربي، لا سيما الإمارات حيث تُقيم حالياً في أبو ظبي، منذ تفشي جائحة كورونا وبداية الأزمة الاقتصادية في لبنان نهاية عام 2019.
وقالت إن البحرين كانت الدولة الخليجية الأولى التي زارتها، وبدأت حينئذ صلتها بالأسرة الحاكمة آل خليفة.
وشدّدت “سمراء البادية” على الجذور العريقة في العلاقة مع الإمارات، من خلال حصولها على الجنسية قبل قيام الاتحاد (1971)، من حاكم الشارقة الراحل الشيخ خالد القاسمي.
ورداً على سؤال حول صورة “أم الإمارات” الشيخة فاطمة بنت مبارك ورئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد، أجابت توفيق بأن هذه الصورة “الأيقونة” تعني لها الحب والاحترام المتبادلين، مضيفةً: “هذه الأسرة الكريمة عاملتني كابنة لها، احترمتني وكرّمتني وأحبتني، هذه العائلة التي لا تنام طالما يوجد بيت واحد في ضيقة من أمره بالبلاد”.
وتابعت: “رأيت حرص الشيخ زايد بأم عيني خلال غرسه العروق الخضراء حين كانت البلاد صحراء، هذا الأب الحنون”.
وروت توفيق تفاصيل سفرها إلى الإمارات حين جائحة كورونا وأزمة لبنان، قائلةً: “اتصلوا بي، واستقدموني مع أفراد عائلتي، فأتيت حيث تلقيت كل الحب والاحترام والرعاية”.
وتابعت توفيق حديثها حول علاقتها بدول الخليج، مشيرةً إلى أنها كانت المطربة الأولى بعد الراحلة نجاح سلام، بتقديم الأغاني السعودية من فناني العالم العربي.
ذكريات عن العائلة والحب
وفي ختام اللقاء الذي روى الكثير من عطش جمهور توفيق، قصّت مجموعة ذكريات عن أسرتها. ومن أكثرها تأثيراً بها لحظات منازعة والدها الموت وتوصيته لها بعدم ترك أفراد الأسرة، ثم طلبه منها غناء “أبو سمرة طلع من بيت البيوت”، قبل أن يفارق الحياة ممسكاً يدها.
وفي جانب آخر أكّدت توفيق أنها عاشت قصص الحب أكثر من مرّة، لكنها لم تتكلل بالزواج.