TRENDING
يوم بكى منصور الرحباني

بكى منصور الرحباني يومها. وارتجف كأنه في عزلة الوهن والخوف. حين زرته في أواخر عام 2000 لإجراء حوار معه لـ"مجلة الأهرام العربي"، قبل أقل من 8 سنوات على رحيله.

كنت قد أعددت نفسي جيداً. فأنا في حضرة عملاق كلمته مقولة وفكره وطن بحجم الأحلام.

بتواضع الكبار يبوح، يحكي عن الوطن ويسأل بابا روما سؤالاً، فلسفته تمتد بوسع الكون من الموسيقى إلى الحب إلى صوت فيروز. نستعيد بعد 23 عاماً على إجراء الحوار، بعضاً من تفاصيله.

مقتطف من المقابلة التي أجريت قبل 23 عاماً

أريد أن أرفس هذا الكون

سألته يومها "كيف حال الأيام والسنون بعد غياب عاصي الرحباني؟ ".

لم يجب، لكنّ شفتاه ارتجفتا وسقطت دمعتان وخبأ وجهه بين يديه ثم رفع يده اليسرى وكأنه لا يريد سوى الصمت.

لأن الحديث عن عاصي مؤلم وغير متاح، حيث الصّمت أبلغ تعبير، انتقلنا إلى محاور أخرى.

كان الأخوان رحباني أول من لحّن للقدس وحملا همّها وقالا "راجعون" سألته هل ستعود القدس؟

قال "يجب أن تعود القدس إلى أحضان العرب، فإذا لم تعد يعني هذا العالم كله بكل ما يحمله من أفكار وحضارة ومعانٍ لا معنى له. الكل يتحمل مسؤولية عدم عودة القدس."

وتوجّه إلى بابا روما قائلاً :من هنا أسأل البابا في روما لماذا لا يعمل على إعادة القدس؟ لماذا لا يجعل إقامته في مدينة القدس مناصفة مع الفاتيكان، إلا تعنيه هذه الأرض؟ ألا يعني هذا المكان العالم كله الذي هو مسكن الديانات السماوية؟ إذا لم ترجع القدس يسهل أن "أرفس" هذا الكون وأشتمه بأشد الشتائم".

مقتطف من المقابلة التي أجريت قبل 23 عاماً

إرث 50 عاماً

كيف أستطاع الرحابنة الأوائل أن يتغلبوا على صراخ المغنين ويؤسسوا مدرسة الغناء التي اجتاحت كل النفوس؟

قال منصور يومها "أنا عادة متواضع جداً. لكن تواضعي لا يلغي حقيقة القول بأن مدة خمسين عاماً لم يأت أحد ليحل أو يقيم إرثاً كالذي بناه الرحابنة، نحن أتينا مثل كل الناس فتعمقنا بعواطف شعبنا، وبحزنه، وفرحه وانكساراته واستوعبنا تاريخنا وكنا صادقين في التعبير. الإبداع لدينا لم يكن لأننا فقط أصحاب معرفة موسيقية عالية بل لأننا أصحاب ثقافة شمولية. فأنا لا أتصور فناناً عالماً في الموسيقى وجاهلاً في الفلسفة، ونحن نخبة ثقافية تأثرت وتعمقت في الموسيقى العربية والإسلامية والبيزنطية والسريانية والأرمنية والتركية والموسيقى العالمية الكلاسيكية جميعها، فأعطينا هذه الموسيقى التي هي لا "غربية "ولا "شرقية" بل "رحبانية"".

منصور وعاصي الرحباني

اقتباس؟؟ أعوذ بالله

أجاب منصور في حوارنا على اتهام الرحابنة بأنّهم يقتبسون ألحانهم من الأغاني الغربية فقال مستنكراً "اقتباس.. أعوذ بالله.. لا يوجد اقتباس عند الرحبانية ولا حتى إيحاء. فإذا كان هناك بعض الأغاني مثل "يا أنا يا أنا " فنحن نعرفه أنها ترجمة لموسيقى موزارت. نحن لا ندعي ما ليس لنا فهذه ترجمات وليست اقتباساً, أما أعمال الأخوين رحباني فهي صافية والذي يقول غير ذلك فليسمعني صوته.

منصور الرحباني

منصور والحب

تحدّث منصور في لقائنا عن الحب، فقال لا أؤمن بمقولة وما الحب الا للحبيب الأول كل واحد منا قادر أن يحب أكثر من مرة وأكثر من امرأة واحدة.

وعن علاقته بالمرأة قال "أحب هذا السحر العظيم. ما زلت أسبّح الله كلما نظرت إلى امرأة جميلة لكن لا يظن أحداً بأن المرأة هي التي تصنع شاعراً أو موسيقياً أو فناناً لكن هي التي تحرك مكامن نبوغه فتهزه وتشعله. الكل يحب لكن أحداً منهم لم يكن نزار قباني أو سعيد عقل. الرجل العظيم فيه امرأة لكن ليس كله امرأة".

منصور وعاصي وفيروز

فيروز هي المطلق وصوتها فوق الوصف

وتحدّث منصور يومها عن فيروز فقال "أمام صوت فيروز يسقط كل تأويل وكل شيء إنه حالة المطلق في الجمال. لا أحد يتطاول ويقول هناك صوتاً أجمل من صوت فيروز. فيروز حالة لا تتكرر لأنها ابنة بيئة وتاريخ تماماً كما بيتهوفين لا يتكرر لأنه ابن بيئته. فأنا أجد الأرض والبيئة تحبل كما النساء وفيروز ولدت مرة واحدة."

وقال إنّ صوت فيروز كان مختبراً على مدى كل هذه السنوات، صرفت عليه الأموال الطائلة وغنت كل أنواع الغناء دون استثناء وأبدعت فيها جميعاً، بالإضافة الى موهبتها الخارقة والعظيمة.

منصور وعاصي وفيروز

وأشار إلى انّ فيروز لم تكن وحدها بل كان ثمّة مجلس إدارة مجتمعاً يضم عظماء كسعيد عقل وجورج شحادة وفضل الشريف وجورج سكاف والأخوين رحباني وجورج إبراهيم الخوري وأنسي الحاج ورفيق خوري وسواهم ، "كلنا كنا فيروز. وفيروز كانت الجميع. كنا نحدد سلوكياتها حتى صارت الحالة الفكرية لنا جميعاً وتحوي كل القيم التي نؤمن بها. فهي كل هذه الأشياء لذا فيروز إنسانة فوق الوصف".

يقرأون الآن