مسلسل "تاج" هذا العمل التاريخي الضخم الذي يأتي خارج الاعمال السائدة في رمضان. يحكي عن حقبة منيرة في سوريا وفي صمودها ومحاربتها الاحتلال الأجنبي.
عمل يؤرشف لحقبة فاتت منذ أكثر من ثمانين عاماً، صنعت الاستقلال وتذكرت ابطال ومقاومين من لحم ودم وبالأسماء. لتضع أمام مخيلتنا نقاء تلك المرحلة من العز والمقاومة في استبسال شعب أتى بالاستقلال.
يحمل هذا العمل نقراً على الضمير والكثير من الحنين والدروس والعبر. كيف يموت الاخرين استشهاداً ووقوفاً من أجل تحقيق الحرية وتقديم هدية شرف وصنع وطن مستقل. في حين تعم في أوطاننا المشاكل والحروب التي أول ما تفرط بهذه الهدية التي قدمها الأخرين بدمائهم.
هذا العمل الذي يخلق شوارع دمشق في تلك المرحلة من أبنية وامكنة بطرقاتها وسيارتها وقطارها وأضوائها وناسها الذين لبسوا لباس تلك الحقبة. عمل لا يمكن أن يمر دون أن نثني على هذه المغالاة في صنع دراما تعيدنا وتضعنا في حقبة انقضت وتصورها كأنها تمشي بدم حقيقي وحياة لا لبس فيها.
الإضاءة على تلك المرحلة هي تذكير بقيمة وطن صنعه أبطال عاشوا وماتوا من أجل أن تنعم الأجيال اللاحقة بوطن لا يمكن التفريط به. وهذا النموذج يمكن أن يعمم على كل استقلال وكل وطن. بالنهاية كلنا كنا في اللهم واحد. وكلنا اكتسبنا وطناً بدماء مقاومين.
فريق العمل التمثيلي بكل وجوهه لا يمكن أن يمر عبثاً. فالشخصيات تبدو حقيقية وليست اسطورية او خيالية. فتيم حسن "تاج" رجل له سقطاته وله وقفاته فهو بطل بشري وليس رجلاً خارقاً.
والقدير بسام كوسى الذي يأتي بالدور بعيار ذهبي مصبوب بقالب الوهج. والجديدة فايا يونان أعطت العمل نكهة حقيقية ناعمة وسلسلة وشكلت حب العمل وجماله. والقدير جوزيف بونصار الذي يأتي بشخصيته بعرق اصيل له هيبته الآسرة ومكانته لا يمكن إلا التماهي فيما يقدم. وكل شخص وهم كثر بأسلحتهم وحضورهم الكبير الضخم شكلوا تميز هذا العمل الذي لا يسرد فقط احداث بل يعيد انشاء التاريخ في الدراما لتظهر حقيقية.
"تاج" هذا العمل الذي يذهب بعيداً عن دور تاج "تيم حسن" ليحكي قصة الشعب السوري ونضاله بطلابه وفئاته الشعبية ونسائه المناضلات المتعلمات وحتى سيدات البيوت. ويعطي حقاً لكل فرد سوري صنع الاستقلال.
فهنا الشخصيات كلها تبدو بطلة من الطبيبة المتميزة "ماريون" التي تؤديها نتاشا شوفاني بالكثير من الجاذبية وكفاح الخوص"سليم" وادائه المميز. وحضور الفنانة نورا رحال بعد غياب. والمتميز إيهاب شعبان بدور زكريا. كل هذه الحزمة الرفيعة وسواهم تضافروا في نص اعادوا تراموي دمشق وعمر أبو ريشة وخطابات شارل ديغول وشكري القوتلي.
"تاج" عمل فني نشاهده الأن ليعيش ابداً. انه رحلة شعب بالكلمة والصورة والأحداث صنع بشغف وقيمة فنية عالية.