TRENDING
فيلم

فيلم" البحر أمامكم" للمخرج اللبناني إيلي داغر الذي يعرض عبر منصة "شاهد". فيلم النبوءة بالخراب والسواد. وتصوير المدينة الميتة.

هذا العمل الذي طلّ بصورته في عام 2021 يصور دمار النفوس. جمّع داغر كل رمادية الكون وأطبق فوقها كل أنواع الكتامة ورشها على الشاشة وفي ظنّه يحكي عن جيل لبناني مريض ومقيت.

البطلة الرئيسية للفيلم جنى "منال عيسى" شابة في أول العشرينيات من العمر كانت تعيش في فرنسا وأتت بلدها لبنان تاركة كل شيء خلفها.

الفيلم قليل الحوار صامت أغلب الوقت. الموسيقى هي الحكاية ويطغى صوتها على صوت الابطال. وبيروت مدينة خارجة من دواخين الجحيم.

في كل الأحوال ليس مهما ما هو الكلام الذي يقال على ألسنة شخصيات الفيلم. لأن المشهدية الطويلة مع موسيقى حزينة أو غاضبة توحي بالأجواء حتى ولو كان المشهد تحضير كوب قهوة فالمخرج برؤيته يجعل منه كارثة.


أراد داغر أن يعرض حال الشباب اللبناني من وجهة نظره التي لا تنم عن الواقع بل تصلح أن تكون حالة خاصة جداً ونادرة وغير معممة.

البطلة جنى شخصية صامتة لم نسمع صوتها طوال الفيلم إلا فيما ندر. تركت فرنسا بعد أن كانت تتعلم هناك وتعمل ولا نعرف سبب عودتها مجدداً.

فتاة غاضبة حزينة صامتة تعاني دون شكوى. لكن يبدو في صمتها كل قهر وعدائية ورفض. ترفض نفسها لا تستحم لم تغير ملابسها طوال الفيلم أي طوال حياة. لا تبالي بأهلها وحبهم وانشغال بالهم عليها. تبدو غير مهتمة لأي شيء. باختصار هي فتاة مريضة نفسياً. وليس كل الشباب اللبناني مريض نفسي بل مكافح وصابر في أغلب الأحيان.

لم نسمع صوتها ونرى ابتسامتها وحركة جسدها إلا عندما التقت الشاب الذي تحبه وكانت على علاقة به، وانفردت اساريرها وهي تطارحه الغرام أو تسكر أو تدخن الحشيش.

هذه البطلة الذي يريد المخرج والكاتب داغر اختصارها على أنها تمثل الشباب اللبناني. فهو مخطئ ولا يعرف عن كثب ماهية الشباب اللبناني. وهذا الفيلم لا يتماهى مع حقيقة المدينة وناسها.

هو يحكي عن شخصية مريضة ومقيتة ليس إلا. ولا تتماثل مع اللبناني لا من قريب ولا من بعيد.

فنحن طوال الفيلم ننتظر لنعرف لماذا غادرت جنى باريس وماذا تريد من حياتها فلم نعرف سوى إنها شخصية سوداوية غير سوية لا يفرحها سوى الجنس ولا تنفعل سوى مع شرب الكحول والمخدرات.

فهذا التعميم ظالم وبدائي ولا ينم إلا عن نظرة صاحب الفيلم وهواجسه الخاصة ورؤيته بعيداً عن الشباب اللبناني وحقيقة المدينة التي تدمرت ونهضت. قُتلت وعاشت. جُنزت ثم رقصت.

ساعة وربع مدة الفيلم يصور المدينة كشبح قاتل. يصور جنى كفتاة ميتة لكنها عائشة.

الشخصيات حولها لا حول لهم. ولا قرار. هذا الاختصار لمدينة وشعب وشباب لا ينم سوى عن تحيز أسود يشبه صانعه ونظرته.

حقيقة الأمر لا تتقاطع مع هذا الفيلم الذي يخرج منه المشاهد بمزاج سيء وغاضب لتصوير حقائق لا أصل لها سوى في القبور. ونحن شعب نبني احلامنا ونطير ونضحك ونعمل ونحب فوق قبورنا إن اقتضى الأمر. دون هذه الفانتازيا القاتمة المحبطة وغير الواقعية. 

يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Hawacom TV (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق أحكام قانون حماية الملكية الفكرية

يقرأون الآن