أنجو ريحان في "كريستال" دور صغير لكنه كالخميرة في العجين، قليل يبدّل كل مذاق.
تطل بحواراتها المقتضبة فتفتح ذاك الصدى الذي لا تريد اختفاءه.
بودّك لو تمسك الصورة من إطارها وتثبتها فوق حائط لا يميل. أداء ممشوق من خبرة، عفوية حد الصدمة. صوتها الحزين يصفعك وينقلك إلى بواطن كدرها. غيرتها على شقيقاتها تجعل من المتفرّج يتمنى لو يرتمي بين ذراعيها. صوتها النوتة المثالية للمشهد، لا انفعال زائد ولا خفوت باهت.
تؤدي الدور بجرعة صائبة لا تخرج فيها عن الإيقاع. تفتح لنفسها مكانة من الصعب المنافسة فيها. تجسد دور الأخت الكبرى بغيرتها وغضبها وحزنها وحبها فنود لو تسكن دارنا ولا تفارقنا.
أنجو ليست فقط شخصية درامية بل هي في التمثيل كل شيء. كيفما رميتها تأتي واقفة. في الكوميديا قادرة أن تفرحك وهي تلف رجلاً على رجل. قديرة في إيحاءاتها. تطوّع كل ما فيها لتدخل النص وتخرج منه لحم وروح. في مسيرتها المستمرة ترفع مكانتها في كل مرة قمّة. فهي حيث تحل تبصم دون أن ترحل، يبقى وشم لا يزول. " ما في متلو" أفرحتنا ولن أقول أضحكتنا لأن الضحك يزول بينما الفرح يبقى، وهي ما زالت ساكنة في بيتها داخل النفوس.
في "صالون زهرة" ما زالت دعساتها ترن على ذاك الدرج وهي تركض خلف بناتها، صوتها المتهدج بالخوف ما زال محفوراً فينا. أنجو ممثلة لا تقبل أن تؤدي الدور وتمشي بل تريد أن تحفره، حتى صارت مخيلتنا شخصيات تلبسها وتلبسنا.
أنجو على المسرح شيء آخر، من لم يشاهدها هناك فقد فاته كل فن وكل أداء. ذاك ملعبها الرَحب وموطنها وحلمها. على المسرح تتحوّل تتبدل وتتقشر فلا نعد نعرفها وننسى من تكون. تدخل في الشخصية وتخرج منها بولادة سهلة. لديها قدرة على التحوّل لتظن أنها مجبولة بالسحر. في مسرح يحيى جابر قدمت الذهول.
تقف لوحدها على المسرح في "مجدرة حمرة" لمدة ساعة ونصف تحكي أمامنا وتبني شخصيات عديدة في حوار واحد، تسأل وتجاوب نفسها وتنتقل من شخصية إلى أخرى في برهة تتحوّل، في برهة تبكيك وتضحكك، تخلع نفساً وترتدي أخرى. جبارة كأنها معجونة من غمام لكن هذه أنجو. كيف حفظت كل هذا النص غيباً ولبسته وجاءت تفرجينا على شخصيات متناقضة، وترميها أمامنا وتصبح عدة نساء ورجال معاً وتقيم الحوار بأريحية ماكرة لا تعرف من تكون. قادرة أن تلبس كل هذا الجمال ونحن مأخوذون بطيفها المتحول.
أنجو ريحان رقم صعب في التمثيل. مدرستها التلقائية والإبداع الذي لا حدود له.