زحمة سير، شغف، شوق، حنين، وفئات عمرية مختلفة مسرورة في طابور الإنتظار حتى تأتي التاسعة مساءً...
أعزائي القرّاء نحيطكم علمًا بالأجواء المحيطة بكازينو لبنان والتي تسبق عرض مسرحية "خيال صحرا"، من تأليف جورج خباز، بطولة جورج خباز وعادل كرم، مستشارة إعلامية رنا أسطيح وإنتاج طارق كرم.
دخلنا المسرح واكتشفنا ان فكرة وجود قناصين متمركزين في موقعين نقيضين إبان الحرب اللبنانية، باتت تقليدية، لكن "تقنيص" جورج خباز على عادل كرم، هو الحدث غير التقليدي.
فالقناصان متسلحان بنص محترف ودقيق، يسيران به بحيادية بين ألغام السياسة بحقدها وطائفيتها وأنانيتها وإجرامها، فيقضيان عليها برشاش "رصاصاته من شوكولا" ينثر علينا ما لذّ وطاب من بسمات على شفاهنا، ثم يصفعنا هذا النص على وجوهنا، ليذكّرنا بما اقرفته أيدينا.
التدريبات الداخلية في الكواليس التي سبقت فتح جبهتي "الشرقية والغربية" بين خباز وكرم، يجب التوقف عند نتائجها الخارجية على المسرح والتي جعلتهما يتقنان تصويب أدائهما نحو حدّه الأقصى، ليحصدا محبة الجمهور القصوى رغم قساوة المشاهد وحلاوة علاجها، وهذا ما سيترك أثره المديد والعميق في ذاكرة المسرح اللبناني.
فجورج خباز، خَبزَ فرحًا لشعب غارق في حزن اقتصاده وأمنه ولقمة عيشه، وعادل كرم، أكرم من عطائه، ليثبت أنه صاحب موهبة درامية يستطيع ان يعادلها بصورته الكوميدية. لذا نجح الرهان المعقود بما لا لُبس فيه، على هذا الثنائي الإستثنائي، القوي بتناغمه الكيميائي ونصه التاريخي وتموضعه الجغرافي.
هذا العمل المسرحي غني بعناصره كافة، وهو أمثولة للجيل الجديد الذي يجب ان يتمعّن بقراءة التاريخ ليضع النقاط على حروف حاضره، ويمنع ساسة الحرب من تحويل مستقبله الى "خيال صحرا".
فبين الضحكة والدمعة، جروح تكحّل العين، يحاول جورج خباز طمسها بكوميديا سوداء، ويتمسّك عادل كرم بغدٍ أفضل رغم سوداوية الحرب.
رسالة قاسية مؤثرة وواضحة تدور في شريط يوميات صراعات اللبناني منذ 1975 حتى كتابة هذه السطور، تلخصها جملة في نهاية المسرحية وهي:
"كنت أحلم بأن أكون قدوة، ولم أكن أعلم أنني سأصبح عبرة".
وفي المُحصّلة، دروس من الماضي ونهج في الحاضر وعِبَر للمستقبل، يجب ان نستخلصها من هذا العمل الجبّار لمبدعين من بلاد الأرز، وهي أن من لا يعتبرون أنفسهم مسؤولين أمام أحد، ليسوا أهلا ً بثقة أحد، بالتالي من الحماقة الاعتقاد باننا سنحصل على نتائج مختلفة ونحن نجدد لنفس القناصَيْن...