يفاجِئ معظم المشاهير متابعيهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بإخفاء صور أطفالهم إما بلقطات خلفية مقصودة لإخفاء الوجه أو بوضع صور Emoji على محياهم، فيما يعتمد البعض أسلوب إظهار اليد أو القدم للمواليد الجدد، حين يزفون أخبارهم السعيدة!
هذا الأسلوب الذي أصبح مألوفًا كعادة يتبعها المشاهير، يُغضِب محبيهم الذين يتابعون معهم أخبار حمل النجمات وتطوراته حتى إعلان الحدث السعيد. لكنهم، يشعرون أن مكافأة صبرهم وانتظارهم جاءت منقوصة حين يتخذ الأهل قرارهم بالحفاظ على خصوصية أولادهم، لتبدأ عندها حملات النقد من المتابعين تارةً، ومن الزملاء الذين يخالفون رأيهم في كثير من الأحيان..!
في خضم هذا الجدل، لا بد من نقاش موضوعي يجيب على الأسئلة المتداولة: لماذا يُخفي النجوم وجوه أطفالهم؟ أهو تصرف نابع من الغرور والتعالي؟ أم هو حرص فائض على خصوصية وسلامة الأطفال؟
هل يحق للمتابعين معاتبة النجوم بهذا الخصوص؟ أم يتوجب عليهم احترام قرارهم؟ ولماذا تختلف الدوافع بين نجم وآخر، فيما تسود هذه العادة كقاسمٍ مشترك بين نجوم الأتراك والعرب ومشاهير هوليوود وبوليوود، وأيضا المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي؟
في مصر، ثمة من يؤمن بالحسد، ويخشى على الأطفال من المرض في حال أصابتهم "العين الحسود"! فعلى سبيل المثال، تخشى الممثلة المصرية زينة على توأمها زين الدين وعز الدين، من الحسد رغم مرور سبعة أعوام على ميلادهما. ولا يختلف الحال مع أيتن عامر ومنى زكي.
وهناك عدة نجمات لبنانيات بينهن ميريام فارس يرفضن الكشف عن وجوه أولادهن.
وفي تركيا، رفضت النجمة مريم أوزرلي الكشف عن وجه ابنتها في سنواتها الأولى، فيما سجّل النجم مراد يلدريم عتبًا على حماه عندما كشف وجه ابنته بفيديو نشره عن طريق الخطأ..! غير أن أوزرلي تراجعت أمام إصرار الجمهور، فكشفت وجه ابنتها بمنشور عبر حسابها الخاص على إنستغرام، بصورٍ تفاعل معها المتابعين الذين أثنوا على جمال الطفلة لارا.
ولا يختلف حال نجوم العالم عن النجوم العرب وان اختلفت الأسباب. فالنجم جورج كلوني كان قد طلب علنًا من وسائل الإعلام الامتناع عن نشر صور توأمه تفاديًا للخطر، معللاً ان عمل زوجته أمل علم الدين كمحامية متخصصة في الدفاع عن حقوق الإنسان، قد يجعلها عرضة لأشخاص خطرين كما قد يجعل طفليهما هدفًا لهؤلاء.
بدورها، تقوم عارضة الأزياء الأميركية من أصول فلسطينية، جيجي حديد، بنشر صور ابنتها "هاي"، على وسائل التواصل الاجتماعي دون إظهار وجهها.
وينسحب هذا الأمر على أنوشكا شارما، إيفا ميندز، راني موخرجي وغيرهم من نجوم يقدمون التبريرات التي تشفع لهم أحيانًا بتقدير متابعيهم، فيما يتعرّض آخرين لانتقادات شخصية لاذعة تتهمهم بالتعالي عن عامة الناس.
واللافت حقًا أن هذه العادة لم تعد تقتصر على النجوم، بل بدأت تتحول تدريجيًا إلى تقليد يمارسه عائلات الطبقة البرجوازية، الذين يعتبرون إخفاء وجوه الأطفال بمثابة "بريستيج" إجتماعي!
في المقابل، تراجعت الفنانة مي كساب عن "الوسوسة"، وقررت الكشف عن وجه ابنتها، وكذلك فعلت النجمات كارول سماحة ونانسي عجرم وسيرين عبد النور والسورية كندة علوش، اللواتي لم يجدن حرجًا بالكشف عن وجوه اولادهن، بل اعتدن مشاركة اللقطات الطريفة معهن على وسائل التواصل الاجتماعي.
إنتقادت لاذعة لـ"زوكربيرغ"
وتعرّض الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"، مارك زوكربيرغ، لانتقاداتٍ قاسية من مستخدمي تطبيقاته بعدما حجب وجهي ابنتيه، في الصورة الجماعية للأسرة باستخدام Emoji. فسأل البعض: إذا تملكت المخاوف بمالك منصتي "فيسبوك وإنستغرام" بشأن خصوصية أطفاله على الإنترنت، فلماذا يسمح لملايين الآباء الآخرين بمشاركة صور أطفالهم؟!
أين يقف الحق والباطل في هذه المقاربة المبنية على ميزان الاعتبارات والآراء المتضاربة بين مؤيد يُقدّر جهد الأهل لحماية حقوق الطفل بعدم إظهار وجهه على مواقع التواصل الإجتماعي، ومعارض لا يأبه لمحاذير يراها غير مجدية!
بينما يتمسك البعض بـ"حق الطفل باختيار كيفية مشاركة نفسه مع العالم عندما يبلغ سن الرشد"، يقول آخرون: إذا كان يحق للأطفال أن يتخذوا بعض القرارات بأنفسهم، فماذا عن حقوق الوالدين الذين يرغبان في مشاركة صور فلذات أكبادهم فخرًا بها..؟!
رأي الخبراء
ينصح المدافعون عن حقوق الطفل الوالدين بالتفكير مرتين قبل مشاركة المعلومات حوله أو نشر صوره، نظرًا لوجود تعارض بين حق الأطفال في الخصوصية وحق والديهم في النشر!
ويؤكد الخبراء أنه من المهم جدًا أن تسأل طفلك عما إذا كان يريد مشاركة صوره مع العالم أم لا. فإجراء النقاش البناء حول هذه الخيارات، سيمنح الأطفال الشعور الضروري بالاستقلالية والاحترام والدعم الأسري، ويساعدهم على تطوير هويتهم الخاصة.
ما هي المخاطر المتوقعة؟
يخشى الخبراء من إمكانية تعرّض الأطفال لسرقة الهوية، خصوصًا مع تطور تقنية التعرّف على الوجوه، واحتمالية إنشاء سجلات إنترنت للأطفال تستمر معهم حتى يصبحوا كبارًا.
في ذات السياق، أولت ألكسندرا هاملت، الاختصاصية بعلم النفس في مدينة نيويورك، تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المستخدمين الشباب أهميةً كبرى. وقالت في تصريح، لشبكة CNN: إن زوكربيرغ ربما يريد أن يقول إن مسؤولية الحماية على الإنترنت تقع على عاتق المستخدمين وليس على عاتقه. فهو يقوم بواجبه كأب، ويتوقع من الآباء أن يحموا أبنائهم بدورهم!
بدورها، ليا بلونكيت، مؤلفة كتاب "Sharenthood" ، تُحذّر من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي يمكن استخدامها لتتبع تغيرات الوجه بمرور الوقت، وقد تصبح قادرة في المستقبل على ربط أي طفل، حتى الرضّع منهم، بصورهم عندما يصبحون كبارا.
وهي ترى أن حجب وجوه الأطفال يمنحهم قدرةً أكبر على سرد قصصهم الخاصة بأنفسهم "في كل مرة تنشر فيها شيئًا عن أطفالك ستَحُدّ من روايتهم الخاصة بالتعريف عن أنفسهم وأحلامهم وتطلعاتهم".
وكان بارزًا تقرير صحيفة "وول ستريت جورنال" الذي نشرته بالتعاون مع باحثين، محذّرة من مخاطر كشف صور الأطفال على مواقع التواصل، لأن خوارزميات "إنستغرام"، على سبيل المثال، تُساعد في ربط الأشخاص بحسابات بيع المحتوى الإباحي للأطفال!
بعد هذا السرد، قد يقول البعض: هنا تسقط كل اعتبارات الشهرة أمام حقوق الطفل وحمايته، وتقع المسؤولية على عاتق الوالدين بحماية خصوصية أطفالهم، لكن: ماذا عن مسؤولية الدول والجهات الأمنية المختصة بمحاربة قراصنة الإنترنت؟ ومن المسؤول عن تفلّت مستخدمي الذكاء الاصطناعي من كل عقاب؟!
إذًا، هل يرتكب الأهل جريمة بحق الطفولة عندما ينشرون صور أطفالهم على مواقع السوشال ميديا؟! وهل يعذر الجمهور تحفظ نجومه حرصًا على الخصوصية؟