يأتي اليوم العالمي للسلام المعترف به من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 أيلول (سبتمبر) يومًا مكرّسا لتعزيز مُثل وقيم السلام في أوساط الأمم والشعوب وفيما بينها، ليشهد على المزيد من الحروب المشتعلة في عدة بقاع من الأرض قاطبة.
وكما في كل عام، ترفع الشعوب الصلوات لأجل تحقيق السلام المرجو، لكنه يبقى رجاء يختنق بمزيد من الدماء.
في لبنان، الذي أمضى اليومين الماضيين يرفع أنقاض القصف وأشلاء الشهداء ويعالج الجرحى في المستشفيات، غابت الاحتفالات والمهرجات التي تُبجّل هذا اليوم بحكم الأحداث المؤلمة، حتى أُجبِرت المؤسسة اللبنانية للإرسال ومنظمي "الموركس دور" على تأجيل الحفل الذي كان مقررًا مساء اليوم تحت شعار "Heal the World with Art and Music – اشفي جراح العالم بالفن والموسيقى".. فهول المشاهد كان أقوى من الشفاء! وكأن قدر هذا البلد الجميل والكبير بصمود أهله وابداعات أبنائه رغم صغر جغرافيته، أن يعاني في محيطه الإقليمي الملتهب على الدوام.
ولأن الفن ابن بيئته في غالب الأحيان كان لا بد للسلام أن ينطبع كأمنية ورجاء في عدة أغنيات لبنانية قدمتها الطفولة منذ عقود وغناها الكبار على أمل نجاة هذا الوطن وشعبه الذي يعاني منذ أجيال.
"اعطونا الطفولة اعطونا السلام".. لا تزال هذه الأغنية مدوية بوجدان كل اللبنانيين الذين عانوا الحرب الأهلية في ثمانينات القرن الماضي حيث وقفت الطفلة، آنذاك، ريمي بندلي لتنادي بالسلام عام 1984. وهي من كلمات جورج يمين هدى سيداوي لينا أبورستم وألحان رينيه بندلي.
وقدم الكبير وديع الصافي أغنية "أبواب السلام" من ألحانه وكلمات رياض نجم، ويقول فيها: "أرضي عم بتقاسي حاجتها حرام، بيكفينا مآسي وعود و كلام، طلاب المدارس واجراس الكنايس، والجندي والفارس واصوات الآذان، كلهن عم بيصلوا تيعم السـلام".
وغنّت الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي نشيد السلام "لبنان بالإيمان يشيد السلام... للسلام يطلق السراح" من كلمات وألحان منصور لبكي.
وقدمت أيضًا في العام 1991 أغنية "ست الدنيا يا بيروت..قومي من تحت الردم" في دعوة للنهوض من أنقاض الحرب التي جارت على أبنائها والسير على درب الوحدة والتضامن والسلام. وهي قصيدة الشاعر الكبير نزار قباني وألحان جمال سلامة.
ولا تغيب عن البال أغنية الفنان أحمد قعبور "يا رايح صوب بلادي دخلك وصللي السلام، بلّغ أهلي وولادي مشتقلن رف الحمام، سلي أمي يا منادي، بعدا ممنوعة الأحلام..؟؟" وهي ترمز في كلماتها لتوق اللبنانيين المغتربين للسلام والعودة إلى وطن يتسع لأحلامهم وتحقيق طموحاتهم.
وفي عام 2016 أطلقت الفنانة تانيا قسيس بالتعاون مع مركز الأمم المتحدة للإعلام في بيروت، أغنية "الأرض للجميع" التي تمزج بين اللحنَين الغربي والشرقي، وتحمل توقيع الشاعر فادي الراعي، والملحن ميشال فاضل. وتتمحور حول تعزيز المُثل الإنسانيّة، ومناهضة العنف والحروب، كما تدعو إلى العمل من أجل إحقاق السلام والأمن، وإنهاء الفقر ومساعدة الضعفاء.
وغنّت النجمة كارول سماحة في مطلع الألفية "بصباح الألف الثالث" التي تنادي فيها لأنهاء الحروب والجوع والتشرّد. وهي أغنية تحكي وجع الشعوب وتدعو للتآخي فيما بينها، تحمل توقيع الراحل الكبير منصور الرحباني والموسيقار أسامة الرحباني.
وبالعودة إلى الطفولة التواقة للسلام حصد مجموعة من التلاميذ اللبنانيين جائزة من اليونسكو عام 2023 بفضل نشيد "كمشة سلام" الذي قدموه على وقع طبول الحرب في جنوب لبنان ضمن مسابقة "الشباب من أجل السلام" الدولية التي تنظمها اليونسكو و"فرانس تلفزيون".
وسبق أن غنّت السيدة فيروز "زهرة المدائن _ يا قدس يا مدينة السلام" التي ألّفها ولحّنها الأخوان رحباني، عقب نكسة 1967.
قد تكون أغنيات السلام محدودة عدديًا في سجل الأغنية اللبنانية إن تمسكنا حرفيا بلفظ "السلام"، لكن رجاء السلام وحب الوطن والجيش ملأ الأرشيف الوطني بأغنيات للاستقلال والشهداء وجنوب لبنان وشماله وبيروته وبقاعه وجبله، وصيفه وشتائه. كما قُدِّمَت العديد من الأغنيات التي تصلّي لخلاص الوطن، فهل ننسى أغنيتي الصافي "اتوعى يا مروان"، و"الله معك يا بيت صامد بالجنوب"، "اسوارة العروس" و"بحبك يا لبنان" للسيدة فيروز، وهل تغيب أغنيات جوليا بطرس الثورية عن بال اللبنانيين الذين "يتنفسون حرية" وتوقًا لبناء لبنان بلد الأستقرار والازدهار والابداع..
وسط هذا الوجع الوطني الشامل، في حرب تخطت بأساليبها أدوات القتال إلى أجهزة "البيجر" لتبث الرعب بحرب نفسية تقض مضاجع المدنيين في كل مكان، ربما يكون مسك الختام مع ديو المبدعين ملحم بركات ونجوى كرم "رح يبقى الوطن" من كلمات نزار فرنسيس وألحان الموسيقار..