"لهون وبس... انتو مش عايشين معي لتعرفوا وضعي"... هذه الصرخة التي أطلقتها الإعلامية النجمة كارولينا دي أوليفيرا من على سرير المستشفى منذ يومين، ربما تختصر واقع حال النجوم مع ضريبة الشهرة القاسية!
إنها معادلة واضحة: أن تكون تحت الأضواء يعني أنت تحت مجهر النقاد، لكن، النقد ليس عمل الذباب الإلكتروني! فأن تدعي بحق إبداء الرأي، يجب أن تكون مثقفًا واسع الاطلاع، وأن تقدم وجهة نظرك بلا تجريح، وتبني نقدك واعتراضك على أسس موضوعية في مقاربات منطقية تأخذ بعين الاعتبار كل الوقائع المحيطة بالشخص موضع النقد والظروف الضاغطة عليه.
لا هذا الأسلوب في التهجم ليس رأيًا حرًا بل تجريحا، لا بل هو تعد سافر على حياة المشاهير! فعندما تتطفل الأقلام الالكترونية بالتنمر تتخطى حدود الرأي الحرّ إلى اللوم غير المبرر والتدخل الجارح بحياة الآخرين!
قد ينسى البعض أن الفنان هو إنسان يمتلك حق العيش بحرية في حياته الخاصة، وله الحق في الاعتكاف عن التضامن والدعم واتخاذ المواقف الوطنية أو الاجتماعية، أو السياسية ضد أو مع فريق سياسي..!
وكم كان كبيرًا الإعلامي الراحل رياض شرارة برفضه الانحياز السياسي في عزّ الحرب الأهلية اللبنانية، فبقي بقي سجله نظيفًا من فظائعها، عندما رفض تجميل صورة أي فريق يشارك في حرب دامية رغم الضغوطات التي تعرّض لها!
الأمثلة كثيرة على نجوم، انحازوا، فندموا لاحقًا وتراجعوا، ولم يسلموا من النقد رغم اتخاذهم مواقف راقت للبعض وأزعجت البعض! هذه المعضلة ليست آنية، ولا هي مشكلة لحظية يتحرك معها الرأي العام سلبًا أو إيجابًا، بل هي مسألة أخلاق ترتبط بأسلوب المتحدث الذي يتناول موقف النجوم تجاه أي واقعة. فالصرخة التي أطلقتها كارولينا دي أوليفيرا عبّرت فيها عن وجع روحي يعانيه الفنانون في لبنان ودول العالم العربي بشكلٍ خاص، ولا يسلم منه النجوم الأجانب على حد سواء!
فتعليق دونالد ترامب المرشح الرئاسي الأميركي "أنا أكرهك"، خير دليل على رفضه لانحياز تايلور سويفت للمرشحة الديمقراطية، ولقد خسرت بيونسيه وغيرها من النجوم متابعين عن صفحاتهم على السوشال ميديا بسبب إدراج إسمهم بقضي "ديدي" الشائكة بملفات الاتجار بالجنس وغيرها. وبالأمس برر النجم الإماراتي موقفه من صورة التقطها معه معجب مدون إسرائيلي نافيًا عن نفسه معرفته شخصيًا،.. وحصل أن واجهت النجمة نانسي عجرم شائعات مشابهة، وكان آخرها يتعلق بحياتها العائلية،..
قد لا تنتهي لائحة أسماء الفنانين الذين يعانون التعدي على حياتهم الخاصة وحريتهم الشخصية، ناهيك عن شائعات الموت والتنمر التي تلاحق حالات مختلفة لهذا النجم او تلك النجمة!
وبالعودة لصرخة دي أوليفيرا، فقد واجهت المتطفلين الذين عاتبوها بكلام قاس واتهموها أنها تخلّت عن الدعم المعنوي للبنانيين الذي هجّرتهم الحرب من بيوتهم، فكان جوابها "إذا شي نهار ونص ما قدرت إنشر وإدعم، هيدا ما بيعني إني رايحة إسهر أو أنبسط، ما حدا بيعرف الي عند حدا، الله يرضى عليكن كل واحد يهتم بحالو. كل واحد لاقط التلفون وبدو يكتب الي بدو ياه، لأ لهون وبس لأنو ما حدا بيعرف شو في عند حدا..!
قد نتوقف مطولاً عن قولها "ماحدا بيعرف شو في عند حدا"، لنسأل: هل يحق للمتابعين على السوشال ميديا معاتبتها ولومها لعدم اتخاذ موقف داعم بغض النظر عن وضعها الصحي؟ هل يحق لهم منعها من ارتياد السهرات والمطاعم لكونها نجمة، وهل هي مجبرة على أن تشارك المتابعين حزنهم، وإلا فهي مدانة؟!
ليست دي أوليفيرا وحدها من تقع في بؤرة اللوم والتجريح، بل إن الرأي العام عاتب السوبر ستار راغب علامة بسبب إحيائه لحفل زفاف، وعاتب إليسا على متابعة أعمالها الفنية، وراح يرمي السهام جزافًا تحت عنوان حرية الرأي والتعبير!
أليس النجوم رؤساء أعمالهم؟ أليست هذه مهنتهم؟ أوليس هذا مصدر رزقهم؟ هل أوقف الرسام ريشته بسبب الحرب؟ هل أوقف الحداد والنجار والخباز وأصحاب المؤسسات أعمالهم؟
وهل خطر ببال العاتبين أن الفنان عليه مدفوعات لموظفيه؟ والتزامات تجاه المتعاقدين معه؟ هل فكرتم بمصداقيته تجاه الشركات الفنية المنتجة أو المنظمة للحفلات في لبنان أو الدول العربية والأجنبية؟ هل أوقف أصحاب الأقلام الالكترونية الذين يطالبون الفنانين بالاعتكاف المهني، أعمالهم تضامنًا مع أوضاع اللبنانيين؟! أم أنهم يتابعون حياتهم ويطالبون الفنان بوقف حياته كرمى لهم؟!
لقد بادرت المطربة عبير نعمة بتخصيص عائدات حفلها في مهرجان الموسيقى العربية لإحدى الجمعيات الداعمة الراعية لاحتياجات النازحين، ولا شك أنه موقف نبيل منها، لكن، هل هو واجب عليها قبل الميسورين من أصحاب المؤسسات والمواقع الرفيعة ورجال السياسة الذين ينامون على ثروات في هذا البلد؟
هل أصبح النقد عادة يستلذ بها كل من فتح لنفسه منبرًا إلكترونيا ليطلق العتب والملامة ويكيل بالشتائم بلا حسيب أو رقيب وسط تصفيق من لا يمتلكون الحس لتقدير ظروف الآخرين؟!
لا شك أن النقد سيكون صائبًا في حال اتخذ أي فنان خطوة مؤذية تجاه الآخرين، أو موقفا يتعارض مع وطنيته كمواطن، او لا سمح الله كان عميلا يتآمر على شعبه أو وطنه، لكن المتابعين لا يملكون أي حق لتسجيل العتب على ذاك الفنان أو تلك النجمة قط.. لإنهم بذلك ينتهكون حرية شخصية!
أيها المتنمرون تذكروا أن الفنان إنسان قد يخطئ أو يصيب، ومن حقه أن يتفاعل أو يتجاهل..
ولا تنسوا أن الفنان اللبناني يعيش بقلق كأي مواطن يرزح تحت القصف، ولا يحق لأحد مطالبته بتقديم تبرّع أو اتخاذ أي موقف،..
... أيها الأقلام الجارحة، اعلموا أن كلماتكم أقسى وقعًا من الرصاص، يكفيكم قصفًا على النجوم بلا رحمة!