TRENDING
وديع الصافي الإسم المدوّن على حجارة بعلبك ولحاف شجر الأرز

وديع الصافي

وديع الصافي و10 سنوات غياب. لم يكن خلالها الصوت الذهبي شاهداً على كل ما نمر به. غياب حاضر في كل أغنية وموال نرددها عندما نريد أن نصغي إلى صوت الأصالة ومجد الطبيعة والصفاء الخارج من النقاء.

لم يعطِ الصافي مجده لأحد، تركنا مع إرث 5000 أغنية هي أساس الأغنية اللبنانية وباني فلكلورها ومخلد مواويلها. هو ولبنان أسم واحد، استطاع أن يربط بحبال صوته هذا الانتماء الذي لا فصام ولا شجار فيه. فكان رسول الصوت في المغترب وكان واقد الحب للبنان الأخضر الحلو.


وديع الصافي

صوت الدمع الذي يكسر الحجر

ولد الفنان الصافي عام 1921 في بلدة نيحا الشوفية حيث الأخضر على مدّ عينك والنظر، وحيث الطبيعة تتجلى في أبهى مناظرها وعنفوانها، فورث من هوائها وجبلها تلك الروح الأشم.

كان هبته صوتاً من ماء يكسر الحجر الصلد ويخرج منها رقراقاً كالدموع النقية. فصار مثلاً، كل من أراد أن يتغنى بموهبته، غنى له أو قاربه بموال ليقول إنه نجح في الامتحان الفني.

عندما يكون الصوت تجربة فهو ملك التجارب والأول. بين 40 متبارياً عام 1938 فاز بالمرتبة الأولى لحنًا وغناء في مباراة للإذاعة اللبنانية، أيام الإنتداب الفرنسي، في أغنية «يا مرسل النغم الحنون» للشاعر المجهول آنذاك الأب نعمة الله حبيقة.

ومن بعدها صار هو الحكم في الأغنية اللبنانية فحين يبارك الصافي صوتاً يعني أنه مستحق.


شهادة الكبار للكبار

الموسيقار عبد الوهاب قال عنه في أحد حواراته "صوت وديع الصافي هو الأجمل منذ ألف سنة ولو جمعت اصوات المطربين كلهم في صوت واحد، لما الفت صوت وديع الصافي، فهو صاحب أجمل صوت بين رجال الشرق". هذه من شهادات الكبار التي عاصرها واستطاع أن يكون الأول ممن يصنعون تاريخ الفن اللبناني الذي سيبقى يشكل عودة ثابتة في الأجيال اللاحقة.


العشق المتفرد

عندما يغني الصافي يترك الشعر والصوت في قلاع الأبدية لا تهزه أنواء ولا تدثره أعاصير.

"كرمال قلبي يا عيوني تْصَبَّرُوا

عليِّ وعَ سكب الدمع لا تتكبروا

وقدام يَللي بحبها رشوا الطريق

لا تخلوا تيابها يتغبروا. "

هذا شذرة من عمق لا يمكن أن يصله سوى صوت وكبير مثل وديع الصافي. وهو يلف حبيبته بأجمل ثوب.

مع بدايــة الحــرب اللبنانية العام 1975، غادر وديــع الصافي لبنــان إلى مصــر، ومن ثمّ إلى بريـطانيا، ليستقــرّ بعدهــا في باريس.

كان سفره اعتراضًا على الحرب الدائرة بين الأخوة في لبنان، مدافعًا بصوته عن لبنان الفن، الثقافة والحضارة.

وكانت أغانيه بمثابة رسالة أمل جدّدت إيمان المغتربين بوطنهم، وذلك من خلال كلماتها التي حملت في طيّاتها معاني حب الوطن والوفاء لترابه وأرزه.

عاش تسعين عاماً وأكثر لم يخف وهج الصوت ولم يخفت نغمه، وبقي يحل ضيفاً على العديد من البرامج الفنية والتلفزيونية التي تريد أن تتبارك أو تصنع لنفسها مكانة.


وديع الصافي

أغاني الخلود

غنّى وديع الصافي للعديد من الشعراء، وللعديد من الملحنين أشهرهم الأخوين رحباني، توفيق الباشا، زكي ناصيف، فيلمون وهبي، عفيف رضوان، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، رياض البندك. ولكنّه كان يفضّل أن يلحّن أغانيه بنفسه لأنّه كان الأدرى بصوته، كما كان يقول، ولأنّه كان يُدخل المواويل في أغانيه، حتّى أصبح مدرسة يُقتدى بها.

العظماء لا يرحلون

توفي وديع الصافي في 11 تشرين الأول العام 2013 عن عمر يناهز الاثنين والتسعين عامًا، وأقيمت له مراسم دفن مهيب حضره حشد من رجال السياسة والصحافة والفن...

رحيل سيبقى مدوناً على حجارة قلعة بعلبك التي شهدت لحنجرة الذهب وعلى لحاف شجر الأرز التي تشبه شموخه ومكانته.


يقرأون الآن