قلما اجتمعت صفات المخرج ومصمّم المسارح والاستعراضات وكاتب الكلمات والملحّن والمنتج، بشخص واحد، كما احتواها المبدع اللبناني الراحل روميو لحود.
فهذا العبقري اللبناني الذي يحتفي لبنان اليوم بذكرى رحيله الثانية، لعب دورًا كبيرًا بإحياء التراث اللبناني وأعطى الفن بشغف حفظ بصماته، وأبقاه حيًا غصبًا عن الرحيل..
لُقِّب الراحل بـ"حارس المسرح الغنائي" بعد أربعة عقود من العمل المتواصل قدم خلالها عشرات الاستعراضات الغنائية البارزة على مسارح لبنان وعدة دول في العالم.
في رصيده أكثر من 250 أغنية راسخة في الذاكرة الفنية، وهو "أحد أعمدة بعلبك" التي احتضنته شابًا بأعماله المسرحية البارزة..
اكتشف حبه للموسيقى على خشبة مسرح "مدرسة القديس يوسف" في عينطورة، ثم نال إجازته في الهندسة المعمارية من فرنسا، والسينوغرافيا وجماليات خشبة المسرح من إيطاليا، لكن الفولكلور اللبناني كان هاجسه الدائم. فكان لحود أول من أطلق المسرح الدائم.
وعلى مسرحه "فينيسيا" انطلق بعرض أعماله الفولوكلورية التي كان أولها "موال" عام 1965، ثم "ميجانا" عام 1966، و"عتابا" 1967. لكنه وجد نفسه مرغمًا على ترك هذا المنبر عام 1969 بعد إعلان إفلاسه، في غياب الدور الرسمي الداعم للثقافة والمبدعين لبنان.
رفض لحود أن يكون تاجرًا في الفن والاغنيات. واعتاد أن يقول في تصريحاته بالعامية اللبنانية: "أنا صرفت مصرياتي على الفن وكنت ادفع من جيبتي لتمويل أعمالي"!
ولقد دخل تجربة الإخراج السينمائي من خلال فيلم "ملكة الحب" في العام 1973. وفيه جمع نجومًا من مصر ولبنان، وهم حسين فهمي وعادل ادهم وناهد يسري وعصام رجي. لكنّ هذا الفيلم لم ينجح تجاريًا، وطالته انتقادات بسبب قصته الغريبة عن "محاولة عدد من العلماء الاقتراب من قارة "أتلانتس" قبل فنائها في محاولة لإنقاذ "ملكتهم".
وكان هذا النمط الفني غريبًا على المشهد السينمائي العربي حينذاك، فلم ينل الفيلم حقه في دور العرض!
نال الراحل الكثير من التكريمات والأوسمة خلال مسيرته الفنية. بينها وسام الأرز الوطني برتبة ضابط. وكرّمته لجنة "مهرجانات بعلبك" عام 2017 من خلال حفلة استعادت فيها أعماله بأصوات فنانين شباب، لكن لحود كرّم الوطن بعطاء لا محدود، متمسكًا بقيمه ومبادئه، رافضًا المساومة على هوية المسرح اللبناني وأصالة الاغنية اللبنانية تماشيًا مع السوق التجاري.
أثرى لحود المشهد اللبناني بمسرحياته اللامعة، لكن أبرزها، والأحب إلى قلبه هي "بنت الجبل" التي لعبت بطولتها الفنانة سلوى القطريب مع الممثل القدير أنطوان كرباج.
وهذا العمل، نال ضجة كبيرة مع إعادة إحيائه عام 2015 على "مسرح الفنون" في جونيه، بعد 27 عامًا على عرضه الأول. لكن، هذه المرة، حلّت ألين لحود مكان والدتها سلوى القطريب بدور ليزا.
ورغم النجاح الذي حققه في هذا العمل، قرر روميو الاعتكاف اعتراضًا على هيمنة شركات إنتاجية تفرض ذوقها وتسهم في انحدار الفن والأغنية.
كلمة من القلب
عشية الذكرى الثانية لرحيل هذا العملاق، تحدث موقع هواكم إلى ابنة شقيقه الفنانة ألين لحود، التي لعبت دور ليزا في العرض الثاني لمسرحية "بنت الجبل". فأكدت، أنها حين أطلت في هذا العرض المسرحي، ظهرت بهويتها وشخصيتها، وخلقت لنفسها خطًا فنيًا خاصًا يشبه ألين وحدها، كما في كل أعمالها الفنية، مع حفاظها على المبادئ والأصالة التي اكتسبتها من عائلتها الفنية.
وإذ رفضت ألين اعتبار الإرث من جهة والدتها النجمة وعمها المبدع عبئًا ثقيلًا، قالت لـ"هواكم": ليس عبئًا بل فخرًا أن تكون والدتي سلوى القطريب وعمي روميو لحود. فأنا أعتبر ما اكتسبته منهما زادًا تسلّحت به في مسيرتي الفنية. لأنني بفضلهما انطلقت مسلّحة بمبادئ أتمسك بها، وكان من حظي أنني نشأت في كنف عائلة فنية ثقافية أكسبتني خبرة واسعة. وهذا برأيي إرث إيجابي رغم المسؤولية التي أتحملها بانتمائي لهذه العائلة التي أحفظ قيمها في كل مجال.
واستدركت: ربما الناس يحاولون المقارنة دومًا بيني وبينهما. فهناك من يُشغِل نفسه بالبحث عن خطأ ما ليتسلّط على الآخرين بنقده. وهؤلاء قد يجدون بانتمائي عبئًا ومسؤولية متعبة. لكنني إذ لا أبالي، بل أعطي من ذاتي، اعتبر ما اكتسبته منهما منحة إيجابية عزّزت شغفي بالفن وارتباطي بالوطن.
ماذا تعلمت من روميو لحود؟ تُجيب: أمضيت حتى اليوم حوالى 20 سنة في العمل الفني. ولقد أثبتت أنني أمتلك هويتي الخاصة، لكنني تعلّمت منه الكثير الكثير، والأهم هو تواضعه.
لقد نصحني دوما بالابتعاد عن الغرور واحترام رأي الجمهور لأنه الحكم الأساس على كل عمل نقدمه. ولقد أوصاني بالتفاني. وقال لي: عليك أن تنسي نفسك على المسرح. ويجب أن تعطي الجمهور بتفانٍ. فهذا الجمهور الذي تكبّد عناء الطريق لمشاهدتك على المسرح له حق عليك باحترامه وتكريمه، ولا ذنب له بظروفك الخاصة ومعاناتك.
لم تفتح ألين جعبة ذكرياتها، "لأنها لا تُعد ولا تُحصى". فمحطاتها معه لا يمكن اختصارها، لكنها كشفت أنها اعتادت الجلوس تحت طاولة مكتبه خلال انغماسه في عمله، وأدمنت على مراقبته لاكتساب خبرته.
هل من سيرة ذاتية ستوثّق أعماله بفيلم أو مسلسل؟ تجيب ألين: هذا هاجسنا كعائلة. ونحن نطرح هذا المشروع ونناقشه خلال جلساتنا. لكن، ليس هناك أي مشروع قيد الإنجاز حاليًا.
وفي كلمة من القلب، قالت ألين لـ"روميو: صوتك لا ينسى، وضحكتك الفريدة تدندن في أذني. نفتقدك في كل يوم، ويفتقد الوطن لصوتك ومواقفك في أصعب ظروفه. روميو لحود أنت تاريخ لا يمكن اختصاره، وسيبقى حضورك طاغيًا رغم السنين..