أطفىء مسلسل "كريستال" آخر وميض له وأسدل ستائره وانتهى.
كان الوداع صعباً. أشهر نتابع فصول الحب والانتقام والغيرة لشخصيات تعلقنا بها وصرنا نتحزّب لها. كل شخصية رماها القدر في مكان ما. تاركةً خلفها ظلال حضورها تنقش في الذاكرة دروس الغدر.
عليا.. أميرة فرعونية تشرب السم وهي مبتسمة
عليا ارتدت آخر بتلاتها، قطفها الحب بعد انكسار مدوي ورحلت مع حبيب ملك. ضربة وراء ضربة لم تكسر صاحبة العنق الطويل والهامة الفذة. بقيت واقفة كوتد وسط الخراب. لا ترثي مأساة ولا تذرف دموعاً، بل أعلنت إفلاسها كأميرة فرعونية تشرب السُم وهي مبتسمة. أعلنت إفلاسها بثقة وراحت تراقب خلاء مملكتها وعيونها شاخصة نحو مجد لا يأتي إلا مع الثقة العالية بالنفس وهي واثقة.
باميلا الكيك لم تكتب دورها هذا بل حفرته بسكين حاد انغرز عند متابعيها بوشم ملكة. لا هزيمة تهز عرشها ولا منافسة قادرة أن تقصيها ولا شخصية تستطيع أن تحتل مكانتها.
باميلا التي تلعب السحر. تحوّل دورها إلى تعويذة تفرد تسرق الألباب. موزّعة تفاصيلها كغاوية تجيد معركة الانتصار ولو خسرت. لبست آخر إطلالة لها بحذاء عالٍ وسترة سوداء جلدية وأخفت أصابعها بقفازات وشدت عنقها بسلسال تنين، وفتحت عيناها تتحدى الانكسار واقفة كفارسة لا تهاب الهزيمة، بل تترك المكان لفراغاته المعتمة وترحل نحو سفر الغد، بعد أن خسرت كل شيء لكن ربحت نفساً متعالية وحبيباً يشد خصرها بيد من دعم وعيون تحميها حتى من نفسها.
عليا في نهاية "كريستال" خسرت كل شيء بالمعنى السطحي. وجُربت وجُردت من كل شيء. شقيقها الذي تحبه مات ورحل قلبها معه. اسمها دُمر، كنيتها لم تكن كنيتها. عملها أفلس. تعرّت حتى من نفسها. باتت مشلعة فجمعت أطرافها وسنت نظرتها وسخطت على كل هذا اللؤم. لكنها لم تخسر عنفوانها. بل رفعت أغصانها نحو سماء الرفعة وبنت شواهق لعزيمة لا تكسر. ورحلت نحو غدها متسلّحة بالحب تاركة مملكة فارغة الا من ظلال حضورها الأسر.
فاي.. بذرة الأصالة ميّتة فيها
أما فاي تلك الشخصية المقيتة المريضة الخالية من بذرة الاصالة. الانتهازية حد الجنون ناكرة للجميل. سوداء كالمقت. بشعة حد التقزز. ماكرة حتى آخر رمق. في الحلقة الأخيرة لم تكتفِ من لؤمها بل سنت كل خناجرها وقطعت أوصال الأيادي التي انتشلتها وحضنتها، من عليا إلى أهلها إلى نديم الذي احتضن موهبتها إلى جواد الذي أحبها.
وراحت تبنى هراءها. حصلت على كل شيء تريده شهرة ومكانة في العمل وثروة وسلطة. وكل هذا حصلت عليه غدراً ومكراً. فاي التي ظهرت في بداية المسلسل بريئة.. لم تكن كذلك، بل كانت تتسلح بهذه البراءة كي تبني مملكة طموحها لأن بذرة الأصالة ميتة فيها، واتضحت أنانيتها المبنية على التّحاذق البغيض لتكون عليا.
ولكن فاي كيف بدت بإطار عليا؟ كل حذاء انتعلته وارتفع كعبه كان يظهرها في أسفل الدرك. كل سترة لمّاعة من الأصفر الساطع إلى الأزرق الخلاب إلى الأبيض النقي كانت تبدو فيها شيطاناً متهندماً بالأناقة. بشعة تتستر خلف الفخامة الواهية. ذاك المكياج المحترف لم يستطع أن يخفي مكرها. نسخت كل شيء من عليا ونسفتها بعد ذلك حتى صورتها سرقتها وعلقت مكانها خاصتها. إنها التقليد المزيف، وزيفها رخيص.
فاي الجاحدة مثلت دورها ستيفاني عطالله ونجحت في ذلك. ساعدتها عيونها الواسعة التي لا تشبع غدراً. وتلك الابتسامة الماكرة وذاك الصوت الغائر باللؤم. تليق بها هذه الأدوار. فهي لم تخطىء في مفصل بل برعت في أدائها السفالة الباردة. وعرفت كيف تتلون بين البراءة المبالغة والفجور النيّء.
رحاب.. صانعة للدور لا تؤدّيه
أما رحاب بالرغم من كل شيء لا يمكن إلا أن نتعاطف معها. فهي حتى في رجسها معذورة وهي تدافع عن ابنتها. رولا حمادة لو أطلت لحظة قادرة أن تعطي عمراً من التعبير. قادرة أن تلعب في ملامحها لنصدق ما تريده كما تشتهي. تقودنا نحوها كالانعتاق. رهيبة في كل أداء وتفصيل. ملكة في مكانها. صانعة للدور ولا تؤديه.
ندى المحفورة في ضميرنا
في نهاية كريستال ستبقى ندى الأخت الكبرى لنا جميعاً نتوقها في حياتنا ونريدها كما هي. وأنجو ريحان لو لهثت شكلت. لو تنحنحت عبرت. فماذا لو كانت ندى؟ ستبقى محمولة في ضميرنا. وخلفها هذه الطاقة الإبداعية القادرة على التوهج، تقارع عين الشمس.
نهاية لا بأس بها
النهاية لا بأس بها علماً كنا نريد الانتصار لعليا فهي الشخصية التي لم تلتوِ ولم تتغير طوال العمل. مكابرة ومبدعة وتعرف كيف تحنو وكيف تقسو. لكن في الحياة أحيانا الأصيل يهزم أمام الرخيص والانتهازي. سفر جواد كان منطقياً فهو بالرغم من اخطائه أعلى مرتبة من فاي ولا تستحقه. ورحاب التي عاشت حياة متسترة خلف الأغطية ستنتهي في مشفاها وحيدة كما نشأت. وعليا يكفيها أنها عرفت الحب من رجل يشبهها أصالة وابداعاً ومكانة يحبها وتستطيع البوح معه.