في زمن تتسيّده الضوضاء، وتخطف الترندات الوهج من القيمة، أعاد مهرجان الزمن الجميل مساء أمس الأحد في كازينو لبنان تعريف المعنى الحقيقي للفن والوفاء.
كانت ليلة استثنائية بحضور نخبة من نجوم لبنان، سوريا، ومصر، جمعت بين الرقي، والتنظيم، والأصالة، بعيدًا عن البهرجة، والصخب، والاستعراض المجاني.
تكريم لرموز الفن الأصيل... من الأحياء والراحلين
في خطوة إنسانية لافتة، لم يقتصر المهرجان على تكريم الأحياء فقط، بل مدّ يده نحو الزمن وأهله، فزار بيوت النجوم الراحلين، ومنح عائلاتهم دروع الوفاء.
الفنانة الراحلة رجاء الجداوي كانت إحدى المحطات المؤثرة، إذ كرّمت بعد رحيلها، بعدما كانت ضمن جدول التكريمات قبل أن يخطفها كورونا عام 2020. كانت درع "الزمن الجميل" بمثابة وردة حب وامتنان على قبرها.
كما كرّم المهرجان الراحلة سلوى القطريب، حضرت ابنتها ألين لحود على المسرح وغنّت أجمل أغانيها.
نادية الجندي تخطف القلوب قبل الأضواء
ومن أبرز لحظات الحفل، تكريم النجمة الكبيرة نادية الجندي، التي خطفت القلوب قبل الأضواء بحضورها الراقي، وتاريخها الغني.
كما تم تكريم فيلم "الباطنية"، أحد أعمدة كلاسيكيات السينما المصرية، من خلال منتجه محمد مختار وبطلته نادية الجندي، في تحية لعمل لا يُنسى.
شيرين، فاروق سلامة، وأيمن زيدان... أسماء لا تغيب
كرّم المهرجان أيضًا الممثلة القديرة شيرين، عن مسيرة مليئة بالعذوبة والدفء، فيما قدّم الملحن والعازف الكبير فاروق سلامة لحظة طربية ساحرة على المسرح بعزفه لرائعة "ليلة حب" للسيدة أم كلثوم، في مشهد أعاد الزمن إلى قمّته.
أما الفنان السوري أيمن زيدان، فكان تكريمه بمثابة احتفاء برجل ينتمي لكل الأزمنة… الزمن الجميل، والزمن الجريح، وزمن الصبر والإبداع. كما كُرّمت الممثلة اللبنانية جيزيل نصر والممثل الكبير غابرييل يمين، تقديرًا لمسيرتهما الرصينة في دراما راقية.
كارمن لبّس… فخامة التقديم وذكاء الحضور
الحفل ازداد بريقًا مع حضور النجمة كارمن لبّس التي تولّت تقديم فقراته.
صوتها، حضورها، وقوّة تعبيرها منحت الأمسية طابعًا استثنائيًا، وأضافت إلى الفخامة فخامة، حتى حين طرأ "خلل بسيط"، حولته كارمن إلى لحظة جمال راقٍ… ببساطة، كانت بحجم المناسبة وأكثر.
للإعلام حصته من الوفاء
ولأن الإعلام حافظ الذاكرة الفنية ومرآة الفن الجميل، أولى المهرجان حصة كبيرة له، فكرّم وجوهًا بارزة من بينهم مهى سلمى، ليليان أندراوس، وزاهي وهبي، في تحية مستحقة لأسماء لم تفارق شاشة التأثير يوماً.
هذا الخيار لم يكن عشوائيًا، بل نابع من إيمان مؤسس المهرجان د. هراتش سغبازريان بأن الإعلام هو ركيزة الفن الحقيقي، والدرع التي صانت ما تبقى من ذاكرة الزمن الجميل.
لحظات غنائية حرّكت الحنين
الحفل لم يكن تكريمًا فقط، بل لحظة موسيقية نادرة أيضًا، حيث قدّم كل من الفنان الكبير رجا بدر والفنان الكبير غسان صليبا لوحتين غنائيتين حركتا الحنين، واستعادتا أصوات الزمن الراقي في وجدان الحاضرين.
هراتش... رجل نقي في زمن صاخب
وراء كل هذه التفاصيل النبيلة، يقف د. هراتش سغبازريان، طبيب التجميل الذي اختار أن يكون صانع مشاهد إنسانية أكثر من كونه صانع مظهر.
لم يلتحق بالموضة، رغم أنه أحد صانعيها. لم يلتصق بنجوم الحفلات والضجيج، بل اختار دربًا يشبه قناعاته… درب الوفاء، والحنين، والرقيّ.
"الزمن الجميل" لم يكن مجرد اسم مهرجان، بل حالة متكاملة من الذوق، والتاريخ، والانتماء لفن لا يموت. وفي زمن بات فيه "الزيف" معيارًا للنجاح، بقي د. هراتش شاهدًا أن هناك من لا يزال يؤمن بالجمال الحقيقي، ويصنعه… بهدوء، وبرقي، وبصدق.