يعلنها وائل كفوري حبًا. يدور في كل طقوس الحب ومشاعره، ويغني الحب الثابت الذي لا يموت، والقادر على الشروق في الغياب. ويذهب أكثر في ولاء الحب، فيُقدّم اعتذاره، ويفتح أوراق أسفه، ويطرح لغة الاشتياق للعودة بعد الفراق.
يطرح وائل أغنيتي "بعتذر منك" و"أنت بعيوني"، ولا قواسم مشتركة بين الأغنيتين سوى لغة الحب وصوت وائل. هذا الصوت، لو غنّى الجريدة، سيكون طربًا وجمالًا.
لا يُقيم الأغنية من جواريرها، وتصبح تردادًا على ألسن السامعين إلا عندما تجتمع كل عناصرها: صوتًا، ولحنًا، وكلمات، ويكون الجمع ناجحًا ومغايرًا، ويدق على وتر التجديد.
سِمةُ أغانٍ تجدها مسموعة، معروفة، ليست من رحم جديد، و"أغنية بعيوني" من هذا الرحم الاعتيادي.
نجح منير بو عساف في كتابة الخاتمة بكلمات ملهمة:
"حبّي وحبّك متل الشمس.
متل الشمس العم تغرق وقت البتموت، بذات اللحظة عم ترجع تخلق.
هيدا يا حبيبي قدرنا، وتنهرب منّو ما منقدر."
لكن الأغنية ككل ليست بتلك الأغنية العملاقة التي تأتي بثمر جديد ومذاق جديد. اللحن مسموع، والتوزيع لا يطرق مناخات جديدة. شيءٌ منها متربص في الذاكرة اللحنية، لكن صوت وائل قادر دومًا أن يخلق تلك المناخات البعيدة المتجددة.
لحن يفتح الأفق
أغنية "بعتذر منك" الحاملة للأسف ولغة الرجاء الطيعة، التي تأتي بعد انكسار، مع لحن يفتح الأفق على آهات ونغمات ترحل بسامعها إلى أماكن التعزية والأمل. صوت وائل يحتمل مثل هذه الجمل اللحنية الكبيرة والموسيقى الواسعة، وهذه الأغنية صبّت في روافد القوة، فجاءت متدفقة بالإحساس، كبيرة بكل ما فيها. لحن زياد بطرس صنع خاصية التفرد، وكتب مع وائل أغنية جاءت لتعيش وتكبر ولا تهرم.
أغنية الاعتذار هذه، التي جاءت بصوت خافت، لكن علوّها مسموع باللحن الكبير والكلمات التي تبدو أشبه باعتراف، دون تكبّر، بل بتواضع المحبّ الذي يضع دمعه قبل رجولته، وإحساسه قبل كبريائه. واللحن اعتراف وطقس فيه أنين ووجع، وفيه احتفاء بالحب والصدق والمشاعر النادمة.
"ما عرفت قيمة غيابك
إلا لما رحتي
هربتي يمكن من عذابي
ويمكن انجرحتي
بعتذر منك يا حياتي
عن كل اللي صار
ع غيابك صاروا دمعاتي
يطفوا بقلبي النار"
موج الإحساس في هذه الأغنية المتأسفة، المتلبسة بعمق الشوق والحب، صنع منها الفرادة. وأوتار الكمنجة تعزف صوت الوجع، والآه تكبر كصراخ الألم، وتريد العودة إلى حضن الحب. جعلها الأغنية مرآة لكل حبيب يعاني نتيجة غلطة ما، ويريد العودة، وتعلّمه كيفية الاعتذار. وفي مجتمعنا، من الصعب أن يرفع الرجل لغة الاعتذار، لكن وائل فعلها، وجعل صوتها عاليًا ورقيقًا ومسموعًا.