في حديث مؤلم ونادر، وصف النجم الراحل أحمد زكي ملامح حياته الشخصية بجملة اختصرت الكثير من الوجع: "حياتي ميلودراما كأنها من أفلام حسن الإمام". بهذه الكلمات رسم صورة درامية لطفولة نشأ فيها أكبر من سنّه، حيث قال: "في العاشرة كنت وكأنني في العشرين، وفي العشرين شعرت بأنني في الأربعين".
تجربة جعلته يعيش في سباق دائم مع الزمن، حتى توقف فجأة في يوم عيد ميلاده الثلاثين، ليدرك أن "الطفولة والشباب قد نُشِلا" من بين يديه دون أن يشعر.
فقد الأب وبداية الغربة المبكرة
المأساة بدأت مبكرًا، حين فقد والده وهو في السنة الأولى من عمره. لم يكن له في الدنيا سواه، وعندما رحل، تُرك الطفل وحيدًا في عالم لا يعرف فيه إلا الغياب.
والدته، التي كانت فلاحة شابة، وُضعت أمام خيار وحيد: الزواج من جديد، فاختارت أن تبدأ حياة أخرى، بينما نُقل أحمد إلى بيوت العائلة، حيث نشأ دون إخوة، ودون أن يعرف دفء العائلة الحقيقية.
لقاء الأم الأول.. لحظة صامتة لا تُنسى
في عمر السابعة، وقعت لحظة استثنائية ستبقى محفورة في ذاكرته: "جاءت إلى البيت امرأة حزينة جدًا، نظرت إليّ بعينين دامعتين، قبلتني ثم رحلت دون أن تتكلم". لم يكن يدرك حينها أن هذه هي أمه.
ذلك اللقاء القصير، الصامت، حمل في طياته مشاعر أمومة مكبوتة، وحنينًا مؤجلاً، ووجعًا لا يعرف كيف يُقال.
الكلمة التي لم ينطقها أبدًا
منذ ذلك اليوم، تشكّلت فجوة نفسية عميقة داخل أحمد زكي، وصلت إلى حد أنه لم يستطع استخدام كلمات مثل "بابا" أو "ماما". حتى أثناء مشاهدتها في المسلسلات أو الأفلام، كان يشعر بالحرج.
وصفه المؤلم لهذه المعاناة يعكس جرحًا لم يلتئم رغم الشهرة والنجاح: "إلى اليوم عندما تمر كلمة بابا أو ماما في حوار مسلسل أو فيلم، أشعر بحرج، ويستعصي عليّ نطق الكلمة".
فنان بحجم وطن.. ووجع بحجم حياة
ورغم المسيرة الفنية الحافلة التي جعلته أحد أعمدة السينما المصرية، إلا أن أحمد زكي ظل يحمل داخله طفلًا حزينًا لم يشفَ من اليُتم، ولم يجد كلمة "أمي" في لغته اليومية.
كانت حياته دراما حقيقية، لم تحتج إلى سيناريو أو إخراج، بل فقط إلى لحظة صدق سرد فيها كل شيء، دون تجميل أو رتوش.