في زمنٍ أصبح فيه الظهور المتكرر بديلاً عن القيمة، خرجت السيدة فيروز بصورتها الهادئة والصامتة، لتعيد ضبط الإيقاع كله.
صورة واحدة، صامتة، كفيلة بأن تُشعل الوجدان وتذكّرنا أن المجد لا يحتاج ضوضاء ولا تغطية إعلامية. فيروز، التي لا تظهر إلا نادرًا، ما زالت بصورتها فقط قادرة على أن تسرق الضوء من الجميع.
الصورة التي لا تحتاج شرحاً
بملامحها الهادئة، وبساطة حضورها الآسر، بدت فيروز كما عرفها الناس منذ عقود: سيدة الحضور الصامت، التي كلما غابت، ازداد شوق الجمهور إليها، وكلما ظهرت، عمّ الصمت احتراماً. لم تكن بحاجة إلى تصريح صحفي. كان ظهورها بمثابة رسالة: فيروز ما زالت هنا، بصمتها، بقامتها، بوفائها لنجلها ولجمهوره وجمهورها.
غياب سوريا والنجوم السوريين عن المشهد
كم هو مؤلم أن نُقارن هذا الحضور المترف بالصمت، مع الغياب المحزن لأسماء سورية صنعت الفن والدراما.
فيروز التي غنّت دمشق والشام، والتي أحبّها السوريين وكأنها بنت سوريا، ثمة أسئلة تطرح: لماذا لم يحضر وفد رسمي سوري (على الرغم من المناكفات السياسية) ولكن أمام عظمة وحزن السيدة فيروز تسقط كل حدود الدول، فلنقول لم يحضر وفداً رسمياً بسب الشق السياسي، ولكن أين النجوم السوريين؟ في دمشق وبيروت والقاهرة ودبي... من خارج لبنان عدة ساعات في الطائرة، والنجوم السوريين المتواجدين في بيروت، 40 دقيقة فقط بين بيروت وبكفيا.
عار على هؤلاء، لم يشاركوا هذه السيدة حزنها، مع احترامنا لهم والتماسنا العذر لمن لديه عذر، ولكن ربما كان عليهم كسر كل الأعذار أمام عظمة وحزن ووقار السيدة فيروز.
وهذا العتب على حجم المحبة، محبتنا اولا، وسابقاً محبة السيدة فيروز لسوريا و "الشام"، تستحق منكم أن تكونوا الى جانبها.
فيروز.. لا تحتاج أن تغنّي لتُبهِر
في الختام، فيروز تذكّرنا بأن القيمة لا تموت، حتى لو غابت عن المسرح. في لحظة، أزالت فيروز كل ما هو زائف. أعادت إلينا شيئاً من المعنى، والهيبة، والجمال الذي لا يخضع للتسويق.
ظهورها الأخير يعيد التأكيد أن مكانة السيدة فيروز لا يزاحمها أحد. يكفي أن تظهر، لتخفت كل الأصوات، ويبدأ الناس مجدداً في الاستماع... إلى الصمت، حيث صوتها ما زال يتردد في الذاكرة.