TRENDING
فقد صوته فاختار العزلة.. محطات في سنوات جميل راتب الأخيرة

في عام 2018، رحل عن عالمنا واحد من أعلام الفن في مصر والمنطقة، الفنان جميل راتب، تاركًا إرثًا فنيًا غنيًا ومسيرة استثنائية بدأت من التحدي والإصرار.


من عائلة أرستقراطية إلى شغف بالفن

وُلد جميل راتب في عائلة أرستقراطية، وكان والده يسعى لأن يتبع ابنه درب السلك الدبلوماسي مثل باقي أفراد العائلة. لكن جميل شعر بعدم الانتماء لهذا العالم، وكان يفضل البقاء قريبًا من الطبقات البسيطة، حيث يشعر بالراحة والحرية، بينما كان يشعر بالخجل والانطواء مع عائلته.


قرار مصيري في فرنسا

خلال فترة دراسته الجامعية في فرنسا، بدأ جميل راتب يولي اهتمامه لتعلم أصول الفن بدلاً من التركيز على دراسة الحقوق. وفي لحظة حاسمة، قرر أن يترك دراسة الحقوق تمامًا ويتفرغ للفن، رغم اعتراضات أسرته التي حاولت إعادته إلى طريقهم التقليدي.

ولم يثنه رفض العائلة عن هدفه، فعمل نادلًا وشيالاً وبائع خضار لتغطية مصاريفه، حتى بدأ يحقق نجاحه الفني تدريجيًا، فشارك في أعمال فرنسية بلغت نحو سبعين فيلمًا ومسلسلًا.


تقدير الناس البسطاء

في حوار له، سألته مذيعة عن الشخصية التي يحب أن يشكرها، فأجاب: "هناك ثلاثة أشخاص أثروا فيّ بشدة: سائق أوتوبيس في الزمالك وقف ليحييني، وعاملة نظافة في مطار القاهرة لم تجد طريقة للتعبير عن إعجابها إلا دعوتي إلى كوكاكولا، وسائق تاكسي قال لي: ‘نحن كلنا أولادك’. هؤلاء الثلاثة لن أنساهم أبدًا".


مواجهة الموت برضا

قبل عام من وفاته، وفي آخر لقاء تلفزيوني له مع راغدة شلهوب في برنامج "فحص شامل"، سُئل عن خوفه من الموت، فأجاب: "الموت بالنسبة لي راحة من مشاكل المرض وكبر السن. أنا لا أخاف من الموت، لكن أخاف من العذاب. حين أموت، سألتقي بالناس الذين أحبوني وأحببتهم في الحياة، وهذا يكفيني. عمري 90 عامًا وراضٍ بما عشته".


السنوات الأخيرة والصمت

بعد هذا اللقاء بفترة قصيرة، فقد جميل راتب صوته، مما دفعه للابتعاد عن الحياة العامة، وعاش في منزله حتى وفاته. وبعد رحيله، انتشرت شائعات تفيد بأنه تبرع بمبلغ 18 مليون جنيه لمرضى السرطان، إلا أن الحقيقة أنه لم يكن يمتلك هذا المبلغ.

رحل جميل راتب عن عالمنا، لكنه ترك إرثًا فنيًا وإنسانيًا خالدًا، يذكّر بأن الشغف والوفاء للبسطاء أحيانًا يفوقان أي إرث مادي.