TRENDING
بين الماضي والحاضر: هل خذلت


الصورة مجزأة بين بحر وسماء وشجر، وفنان يجلس وحيداً يغني للبحر شوقه.

"روح البحر" لفضل شاكر أغنية البُعد التي غناها من منفاه.

في الوجه ابتسامة، لكن النظارات السوداء تخفي الكثير من الألغاز والغموض.


أغنية بين ضيق وحرية، بين شيء من الفصام أو الخصام؛ فالفنان يناجي البحر عن بُعد، يسكب فيه نجواه وهو ساكن في المدى الضيق، بينما البحر الواسع أمامه لا يستطيع الوصول إليه.

"ودّو حبيبي البحر

دا روح حبيبي البحر

صيف السنة دي سحر

ويا حبيبي أنا

على موجة نرقص سوا ما أصلو هو الدوا

وياخدنا حبّة الهوا ويا حبيبي أنا"

الأغنية ليست ملحمة شعرية. ليست هذه معلقة شعرية، بل كلام مرصوف بصعوبة وافتعال. الصوت الرقيق لم يرفع المعنى ولم يخلق حالة، بل بقيت هناك فجوة بين الصوت الموصوف بالحنية وبين كلام لا يؤدي ولا يجيب.

هذه الأغنية المصوّرة، بحسب ظروف الفنان، تُظهره في بقعة، بينما الصورة الأخرى للبحر والطبيعة في بقعة مغايرة. مجرد مناجاة تأتي من سجنٍ إرادي أُريد بالموسيقى أن تكسر جدرانه، لكن مطرقة الأغنية كانت خفيفة لم تستطع أن تهدّ أركانه، فبقي في النأي. والأغنية الجديدة إن سُمعت أو وسّعت مداها فليس لسبب سوى أنها تعيش على ماضٍ ناجح لسابقاتها.


الأغنية الناقصة:

فضل شاكر يغني للحبيب، للطفل، للبحر: "نيمتو تحت جناحي وغفي على صوت البحر". أغنية فيها شيء من الهدهدة والخفوت، كمن يسرق النغم ليؤلف ملحمة عن البحر والحب. لكن الملحمة ناقصة، وأبطالها مشبوهون، والصورة ليست سوى إسقاط بين فنان مكبّل يناجي خيالاته وبحرٍ واسع مداه حرّ، أمواجه تتقلّب بكل جديد في كل لحظة.

لم تُسعف "روح البحر" فضل شاكر سوى أنها بصوته، فمن يحب هذا الصوت سيترنّم على شجوه، أما من يدرك الانتقائية فيعرف أنها ليست الأفضل. وما انتظارها وانتشارها إلا تتمة لذاك الضوء المنسي الذي تركته أغنية "صحاك الشوق" خلفها.

ليس كل شدوٍ جميلاً.

أما المطبّل لكل ما يقدّمه فضل شاكر، فذلك لأن النفس لا تعرف أن تنأى بين الفن والموقف. ومن يختلط عليه الموقف بالفن يصبح عنده أي شدو جميلاً، حتى ولو كان واهياً.

صدق فضل شاكر حين عمّم مفهوم الفن بحلّة الإحساس، واستطاع أن يقدّم أغاني انتشرت كالنار في الهشيم وهو مخنوق في مكانه الضيق. لكن "روح البحر"، وإن أتت من ضيق لتوسّع الأحلام وتغني للهواء والموج ولون الجسد بلون التمر، بقيت أغنية تمرّ على قارعة السمع كفطرٍ ينبت بلا جذور سرعان ما تنتهي مواسمه.

أغنية "روح البحر" غناء: فضل شاكر. كلمات وألحان: جمانة جمال. توزيع: زاف.