لم يكن صوتها ابن زمن معين. بل كان ابن الأمس والحاضر والقادم. أم كلثوم صاحبة الحنجرة التي مدت شأوها فطالت الأسماع في الكون وخُلدت كواحدة من بنات الدهر النادرة.
أم كلثوم التي كانت صوتاً وبقي صداه يملأ الأرض لحناً لا يشيخ.
كانت أيضاً ملمحاً وصورة لا تبرح أذهاننا قامة مرفوعة كتل لا يزيح بثوبها الطويل وجواهرها اللماعة ومنديلها الناعم ونظاراتها السوداء المرصعة بالماس. وكان النغم يخرج كسلطان يبهرنا ويأخذ بنا ويكبلنا بحب ونشوة وأمامنا ذاك الهرم المرتفع الذي لا يزيح عن قمة الصداح.
أم كلثوم الأنيقة كيفما ظهرت صوتاً وصورة لا انفصام بينهما. فهنا الصوت خالد كأبهى صوت بشري وهنا الصورة أزلية سامية لا تذبل.
لكل اغنية ثوب ولكل اغنية رداء. "هذه ليلتي" ، "انت عمري"، الطلال"، "سيرة الحب".
فكما تختار اللحن والكلمة كانت تختار اللباس بتلك السلطنة والسطوة والزهو. لها الوانها المفضلة بين الأخضر والبياج والأبيض والأسود والكحلي.
وفي نفس النسق من الخلود كان يجب أن تكون صورتها ثابتة كحدقة العين منيرة كالضوء واسعة كشعاع.
ملهمة كبار المصممين
كانت أثواب الست ملهمة لكبار المصممين العالميين فخالد المصري المصمم اللبناني في عام 2006 قدم مجموعة على اسمها من وحيها من طراز خلودها ونعمتها من عمق صوتها من قماشة روحها الأزلية التي خلدت فينا النغم، وخلدت طرب يحمل اسمها.
والمصمم المصري بهيج حسين يؤكد أنها ملهمة الفن وملهمة الموضة فيقول إنّ "سيدة الغناء العربي واحدة من أيقونات الموضة على مر التاريخ، وشهدت إطلالاتها مرحلتين مختلفتين، الأولى في بداية مشوارها الفني، حيث الزي التقليدي القروي، ويضم الجبة والقفطان والعقال العربي، مروراً بمرحلة التوهج الفني والأضواء."
أيقونة الموضة
لم تكن أم كلثوم بأناقتها سيدة عصرها وحسب بل كانت مدرسة في الأناقة لكل عصر.
ففي عام 2015 احتفت العلامة التجارية «Chanel»، بالتزامن مع افتتاح متجرها بالمطار الأشهر بالعالم هيثرو، بطرح كتاب «A Journey in Style»، بالتعاون مع عارضة الأزياء العالمية «Yasmin Le Bon»، ويستعرض أيقونات الموضة وإطلالات السفر التي شهدها المطار منذ افتتاحه في الأربعينيات من القرن الماضي، لتكون كوكب الشرق الفنانة العربية الوحيدة في الكتاب، بجانب مشاهير العالم، مثل الملكة إليزابيت الثانية، والأميرة ديانا، ومارلين مونرو.
منديلها
لم يكن شيء من إطلالتها ليسقط سهواً فالمنديل الحريري الذي كيفما لاحت به على المسرح كان يلوح في أعماق سامعيها نشيج الخيال والذوبان. ذاك المنديل الذي لم يكن إلا ليتلاءم مع طلتها مع ثوبها كان في بداية الأمر مجرد خرقة لتمسح به عرقها لكثرة الخجل والتعب من طول الوقوف عل مسرح الطرب. وعندما غدت سيدة الطرب قامة مستهابة صار المنديل من حرير يمسح عرق الشجن عن سيدة لا يصل قامتها إلا الأزل.
أحذيتها
أحذيتها لم تكن من تلك الكعوب العالية بل كانت صلبة ومتوازنة وعريضة لتلائم سيدة تقف ساعات تشدو دون حراك. تحتاج رصانة وثابتاً وأرضاً لا تهتز تحت أقدام لا تهوى التصدع.
نظارتها
تعد النظارة السوداء الشهيرة والمرصعة بفصوص الألماس، إحدى أيقونات الجمال لدى سيدة الغناء العربي، وبدأت ارتداءها منذ الثلاثينيات بسبب مرضها من نشاط الغدة الدرقية، والتي تسبب في جحوظ عينيها، واختارت تصميم النظارة من «DIOR»، وتتواجد داخل متحفها بالقاهرة.
كانت أم كلثوم انتقائية في كل شيء. كما أغانيها تأتي مفصلة على حجم الصوت الذي لا يخذل ولا يقوى عليه قدر أو دهر. كذلك كانت أثوابها تشبهها. قيمة دهرية لا يخفت بريقها وجمالها. كانت ترتدي من الدور العالمية المعروفة آنذاك ديور وشانيال. ومن خياطين وخياطات تثق بهم. مثل مدام اندرية الفرنسية المصرية التي كانت صاحبة ذوق عال وكانت خياطة أم كلثوم تخيط لها أثواب من مرصعة بالكريستال.
كانت أثواب أم كلثوم فخمة ومحتشمة وتعطيها وقار وجمال على المسرح. هذه طلتها التي لم تتخل عنها يوماً.