في أيامه الأخيرة، كانت الغيبيات تحظى باهتمام كبير من قِبَل العملاق الراحل عبد الحليم حافظ، وقد استمع إلى كلام العديد من العرّافات خلال رحلته العلاجية، وشاءت الصُدَف أن تكون "قارئة الفنجان" آخر أعماله الغنائية.
في إحدى الحوارات النادرة التي حصلت في فندق "شيراتون" في الشام، اجتمع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ بالشاعر الكبير نزار قباني، وتعاتبا بسبب حذف عبد الحليم مقاطع من قصيدة قبّاني الشهيرة "قارئة الفنجان"، وقال نزار: "أنت والملحن محمد الموجي لعبتما بالقصيدة". وأضاف: "أرسلت لك الأغنية عام 1973، وظهرت عام 1976، وكان بيننا العديد من الاتصالات، وما وقع بها من أخطاء، ناتج عن "اللعب" الذي قمتم به في القصيدة لدوافع موسيقية، وأنا احترمت رغباتكم، لكنني كنت ضد التغيير".
وأردف نزار قائلاً: قيمة القصيدة أنها حينما تغادر الشعر وتصبح ملك الناس، يفسّرها كل شخص "على كيفه" وتفسير كل شخص صحيح، وليست وظيفتي تفسير ما أكتب". وأشار نزار إلى أن الموجي بذل جهداً كبيراً في تلحين الأغنية، وحبس نفسه فترة ليكمل الأغنية، ونتيجة هذا الانضباط، خروج عمل عظيم.
أهم شعراء عصره يعاتب أهم النجوم أمام الكاميرات، والأخير ورغم شهرته ومكانته، حافظ على نبرة صوته الهادئة، واعتذر منه على الخطأ، وكانت جلسته ولغة جسده كلها إحترام وتقدير لقبّاني. أما الشاعر القدير فحتى بزعله وعتابه، حافظ على رقيّه وإحترامه لقامة عبد الحليم حافظ الكبيرة، وحُلّ الأمر في غضون دقائق. على عكس زمننا الحالي! زمن المراشقات والدعوات القضائية بين الفنانين.
استغرق تلحين "قارئة الفنجان" سنتين
رحل عبد الحليم قبل 46 عاماً، لكن "قارئة الفنجان" لم ترحل، وما زالت تتربع على عرش الأغاني العربية. وكان نزار قباني اختار عبد الحليم لأداء هذه القصيدة بعد أن أرسلها له مباشرة وطلب منه تقديمها لعدم وجود مطرب غيره يمتلك الجرأة الكافية للخروج عن السائد والمألوف حينها.
قَبل عبد الحليم التحدي وقدّم الأغنية في ربيع عام 1976 ودفع 5 آلاف جنيه لمحمد الموجي مقابل تلحينها الذي استغرق سنتين و3 آلاف دولار للشاعر نزار قباني و5 آلاف جنيه مصري قيمة مكالمات تلفونية أجراها مع نزار في لندن وبيروت ودبي من أجل تغيير كلمات في القصيدة، وهذا المبلغ كان كبيراً في ذلك الوقت.
أزمة كادت تقضي على "قارئة الفنجان"
مرّت الأغنية بأزمة كان من الممكن أن تقضى عليها في مهدها، إذ حدث احتباس في صوت محمد الموجي، فكانت هناك صعوبة في نقل اللحن إلى نوتات موسيقية، وعندما انتهى نقل النوتات، كان لا يزال على موعد الحفل 12 يوماً فقط، وكان عبد الحليم يعتاد على إجراء البروفات في 45 يوماً، فقرر إلغاء الحفل، لكنه تراجع بتأييد من صديقه مجدي العمروسي، وبعد أن حرص أعضاء فرقته على أن يمضوا 12 ساعة يومياً في التدريبات.
عبد الحليم ندم على غنائها
يقال إن عبد الحليم كان نادماً على تقديمه لقارئة الفنجان بسبب مضمونها المتشائم وتنبؤها بمستقبل مظلم له، وفق رواية خبير التجميل محمد عشوب، في البرنامج التلفزيوني "ممنوع من العرض".
وقال عشوب في روايته، إن عبد الحليم كان متوتراً يوم أداء الأغنية، منذ أن قدم إلى منزله لتصفيف شعره، استعداداً للحفل، وإنه عندما هنأ عبد الحليم بالأغنية الجديدة، بعد طرحها على شرائط كاسيت، نظر إليه بانكسار، وشكره من دون وجود أي علامة للفرح على وجهه.
وسترجع يوماً يا ولدي مهزوماً مكسور الوجدان وستعرف بعد رحيل العُمر بأنك كنت تطارد خيط دُخان pic.twitter.com/mm0ktl42pb
— عبد الحليم حافظ (@HalimSongs) June 22, 2023