من حيف الزمن أن تأتي امرأة بعقل نعجة وتملي على النساء العاملات والأمهات المتفانيات والزوجات الصالحات لتقول لهنّ كيف تحضرن السلطة فلا تضعن الخيار بجانب البندورة لأن هذا ذكر وتلك أنثى.
من بور الإعلام تظهر الهرطقة المرّة لصوت ينعق في طاحون التخلّف ويقول "منقوش وفتوش بدل منقوشة إلغي التاء المربوطة من حياتك يا مدام مالهاش لازمة حتى التاء المربوطة تخنقك". ليت هذا الصوت خُنق بخناق التاء وربط على بلعوم الكلام وما سمعنا هذا الفحيح السام.
لهذا الأعلام كفى!
من عصر التكنولوجيا والتواصل مع الكون وابتكار ما هو أبعد من أن يحدّه عقل. ينبري صوت لا يحمل سوى النعيق في سهول الجدب ويعلّم المرأة كيف تستقبل زوجها بعد العمل وهي مكتومة الفم وتقولها بالحرف "اكتمي بُقّك". هذا هو المقدّر من صوت يفتح له هواء الميديا والتكنولوجيا ليصبح العيب مشرّعاً ومستشرّياً. بدل أن نبني خطاباً له قيمة ونقول كلمة لها معنى.
من بلاد النيل بلاد طه حسين ومحمد حسنين هيكل ونجيب محفوظ وأحمد شوقي وتوفيق الحكيم ويوسف ادريس وكل هؤلاء الشعلة الفكرية وغيرهم. تأتي متسلّقة على الضوء لتقول للمرأة من هو فرعون. فرعون الذي بني الأهرامات وكانت معجزة الهندسة. فردّت صوت النشاز القبيح والرذيل لتحكي للمرأة المصرية كيف تتعامل مع فرعونها. هي التي لم تشرب من نيل الفكر واهرامات الكرامة والخرافة البناءة.
عندما أقفلت أبواب مصر في وجه هذا الانحطاط فتح هذا الصوت النعّيب باتجاه لبنان ليعلّم المرأة اللبنانية التي عاشت كوابيس الحرب ولعنة الشدائد والانفجارات لتعلّمها كيف تنادي زوجها. "يا فنيق ويا تبول". صوت لا يشغله سوى الرجل أو بالأحرى الذكورية المضرّة. لأن الرجل الحق لا يقبل بمثل هذا الانحلال والانحدار.
امرأة فُتح لها الهواء وبدأت بنشر المهزلة وفتح أبواق (الجدب والجدبنة). وقالوا هذا "تراند". نعم أنه تراند في غيه، تراند في هبله، تراند في حقارته تراند في مهزلته، تراند في قحطه، تراند كلمة يجب أن يكون فيها محتوى ومعنى ورسالة. فأصبح التراند عند أمثال هؤلاء رقم يعبّر عن ضجيج وصخب حتى ولو كان فارغاً وملوثاً ومشبوهاً.
هذه المرأة التي تعيب كل نساء الأرض وتعيب خاصة كل إعلامية وكل من يطل في الأعلام. أعطوها الكثير وفتحوا لها المكان والمكانة لتكون عيب الإعلام وتصنع منه تراند يتفاخرون بأرقامه وهم ينشرون الهزّل والهزال.
لن أقول اسمها فهي المعروفة "بالصوت الشتوي والصيفي" ولكن في الحقيقة صوتها كالجدب يقضي على كل فصل وبرعم وساق وسماق. فهي من "قادة الرأي" في تعليم الرجل كيف يقفل فم المرأة وهي المحرّضة على ضربها وهي التي لا تجد في مخيلتها سوى ذكر يريد أن يفرح بذكوريته، هي التي لا تفقه من المرأة الانسان سوى ما يرضي الرجل، امرأتها مسلوبة المكانة والفعل والطاقة فقط عليها أن ترضي الرجل في مكان معين هي تعرفه جيداً.
امرأة العليق هذه لا تثير الضحك بقدر ما تثير الوخز. هذا الوخز الذي بات مشلوحاً على الشاشات دون حاجز أو رادع أو وضع خط أحمر له. إعلام فقد هيبته ومكانته. إعلام يعدم الفكر ويقتل الثقافة ويغيّر معنى الكرامة.
كان من المفترض أن تحلّ ضيفة على "منتدى الإعلام العربي" لتحكي عن "التراند" لكنها لم تأتِ. خَيراً فعلت بعدم قدومها أو تأخرها. وخَيراً كان لنيشان الأستاذ الجامعي والإعلامي المحترف وصاحب اللغة والأسلوب المنمّق والمهذّب والذكي بأنه لم يحاورها ولم يكن مضطرّاً على تقديمها. ماذا كانت ستحكي لو أتت أمام بيارق الإعلام والأساتذة الحاضرين؟ كيف كان سيكون الرد على الصلافة والتُرّهة؟
قال البعض إن في تغيّبها خلقت "تراند" فهي "مبدعة الترندات" وباتت على كل شفة ولسان وقلم. هذا صحيح لأن الاستفزاز صوته أعلى من صوت القنوط. ولأن الفحش يعرف ويظهر أكثر من الحياء. ولأن درب الفجور واضح ومدوّي أكثر من الأدب والخفر.
هذا التبخيس لدور المرأة ممنوع. وهذا النصح الأسود للزوجة ممنوع. وهذا الرخص الإعلامي أيضاً ممنوع. فهذا ليس حداثة ولا تطوراً. هذا ليس "تراند" بل هو مشروع يشرّع العيب والغباء. فالمرأة ليست دمية بل من يوزّع هذه الأفكار الهدامة هو دمية متلوّنة بمكياج وأحمر شفاه وشعر منسدل تحت عنوان العصرية وفي باطنه الكثير من الكذب والإدعاء.