TRENDING
الصورة في زمن الحرب.. الوثيقة التي تدين المجرم وتؤرّخ الجريمة

الصورة في الحرب تقول كل شيء. لا داعي لمقالات أو تحليلات أو مواقف. صور تنقل الواقع كما هو بدون تلفيق ولا تذاكي. هي الحقيقة والذاكرة التي ستخلد كل هذا الدمار.

هذا الوجع المردوم فوق الركام وتحته. وهذا الخراب الذي يبدو أوسع من زمن وأكبر من تاريخ. تجسده هذه الصور بتلك المرارة التي لا تحتمل الزيف وقول الأكاذيب.

الصورة في زمن الحرب هي الفن الأول القادر على قول الحقيقة. تجسده بدون رتوش أو خلطة ضوء أو أكسسوارات. صور قادرة أن تسقط الروح من الروح. وتظهر مدى البطش والعنف والفجيعة.

صورة واحدة قادرة أن تقول آلاف الكلمات. تفضح كل الادعاءات. تعطي البرهان من أرض المعركة توزع شهادات في الشيطنة وتخبر العالم عن مدى الإجرام الحاصل.

الصورة هي كلمة الأطفال المذهولين من وقع الكارثة، هي العجوز الدامع فوق حطام عمره وأرثه، هي الأرزاق المفتتة ببارود المدافع والطيران. هي الكارثة التي لا يعزيها أب ولا أم ولا تراتيل القداسة ولا خطابات مستقاة من قواميس الحجج.

الصورة هي التي تبقى بعد أن يعد الأحباب قتلاهم، فهنا رقد الحفيد وهناك ضاع الحبيب وفي تلك الهوة ذهبت الأم والجنين. لا شيء يقبل الشك. المصور دامع وعدسته مخلب العين، تنهشه عند كل لمحة وتودي به نحو فصول الرعب التي من الصعب أن يتخلص منها حتى ولو انطفأت نيران العدو.

الصورة في الحرب تغلب العدو تكشف فظاءعه وتدوّن بلا شكوك كل إجرامه. تحكي كل الفصول المرعبة التي تأتي الخطابات على عكسها وتكون الوشم الصادق عندما ينبري المتفوهون ليتنصلوا من واقعة الحق.

كاميرا المصور هي السلاح السلمي التي تكشف زيف الخطابات السياسية في الإعلام، وتنقلنا إلى مكان الحدث عبر الصور التي التقطت خلال الحرب، لا بل بعض الصور الصحفية لعبت دوراً مهماً في صياغة بعض الأحداث والمواقف المرتبطة بتلك الحروب.

الصورة حكواتي الذعر والخيبة والمأساة، تشرح مدى الكذب المتغلغل في عقول السياسيين وقادة الحروب. هؤلاء الذين يعيشون في نعيم الحياة ومصالح السلطة واطماع السياسة مخلفين القذارة خلفهم تحكي أبشع أنواع المأساة.

غزة اليوم وبالأمس لبنان وسوريا والعراق واليمن وغيرها، بقاع حروب مشتتة ومتشابهة في تفاصيلها، والصور تحكي فصولها لتصبح أرشيف الموت المدد في عصر الأمم التي تدعي الحضارة والفهم والقيم الإنسانية.

الصورة هي المصداقية التي لا يمكن محوها أو التنكر لها هي الوثيقة التي تدين المجرم وتؤرخ الجريمة.

يقرأون الآن