في حياة الفنان الكبير فريد الأطرش، كانت القلوب تُفتن بصوته، وتتهافت على دفء حضوره، لكنه هو، رغم شهرته، ظل يبحث عن حب صادق لا يُشترى. وفي لحظة كان يظن فيها أنه عثر على حبه الجديد، وجد نفسه أمام مفترق طرق قاسٍ: فنانة أحبها، واعتقد أن ما بينهما قد يصبح قصة عشق حقيقية، لكنها فاجأته بطلب صريح: "كم ستدفع لي لأتفرغ لك؟"
في هذا المقال، يروي فريد الأطرش القصة بنفسه، كما عاشها، كما نزفها قلبه، وكما اختار في النهاية أن يحمي كرامته بدلًا من أن يشتري حبًا مزيّفًا.
كنت أظنها حبًا جديدًا... حتى طلبت الثمن
كنت أرى تلميحًا في حديثها عن الزواج. أما أنا، فقد كنت قد حسمت أمري منذ البداية: الزواج قضية ملغاة. لن تكون موضوعًا للنقاش.
لكنها كشفت لي النقطة الثانية من خطتها، حين قالت: "أنت تعلم أن أسرتي تعترض، وأن مستقبلي الفني مهدد إن اخترت الارتباط بك."
قلت لها مؤمنًا: "الأعمار بيد الله، والأرزاق كذلك."
فقالت وهي تحاول التوضيح أكثر: "ولكن... أين التعويض؟"
سألتها: "تعويض عن ماذا؟"
فأجابت بخجل أحببته يومًا: "عن أنني سأتفرغ لك."
حين يتحول الحب إلى صفقة
في تلك اللحظة، شعرت أن شيئًا داخلي قد انكسر. قالت لي نفسي: اصفعها واطردها، الحب لا يُباع!
لكنني كبحت غضبي وسألتها، بنبرة خبيثة حاولت إتقانها: "وكم تطلبين؟"
قالت: "أنفق على نفسي 500 جنيه شهريًا، بين بيت أمي وثيابي وسيارتي."
قلت ممازحًا: "هذا كثير، إنه راتب رئيس وزراء!"
فأجابت ببرود: "رئيس الوزراء لا يُطالَب بأن يظهر بمظهري!"
الكرامة أغلى من أي حب مدفوع
ربما ظنت أنني مثل ما يُشاع عني، أنفق ببذخ وأغدق الهدايا. لكنها لم تعرف أنني لا أدفع قرشًا لمن يطمع فيّ.
قلت لها وقلبي يتقطر ألمًا: "أنا لا أستطيع أن أدفع 500 جنيه."
فقالت بعناد: "إذن اختلفنا."
أجبتها وأنا أتنفس القرار أخيرًا: "فعلاً، اختلفنا. ويفتح الله."
الحب انتهى قبل أن يبدأ
انتهى كل شيء. وجفّت المشاعر.
لو أنها لم تطلب الثمن صراحة، ربما أعطيتها من قلبي ومالي ألف مرة، دون أن تطلب.
لكن الحب الذي يُطلب سعره... ليس حبًا.
ولمّا عاودت الاتصال لاحقًا تطلب استئناف علاقتنا الفنية، رفضت.
"طريقي غير طريقك. الحديث عن الماديات أفسد كل شيء."
القلب الموجوع لا يتحمل المزيد
في خضم هذه الأزمة العاطفية، شعرت بآلام غريبة في صدري. أدنى مجهود يتعبني. أنام بصعوبة، وأنفاسي تضيق.
استدعيت الدكتور علي عيسى، فقال لي بعد الكشف:
"أنت مريض. قلبك متعب. أصبت بجلطة ثلاث سنوات متتالية، وحالتك الآن هي أعراض هبوط في البطين الأيسر."
وأضاف: "لا تسهر، لا تأكل الدسم... والأهم: لا تغنِ."
ممنوع من الغناء... فكيف أعيش؟
حين سمعت تحذيراته، لم أفزع. قلت له: "بسيطة."
لكنه أصر: "لا تغنِ. حياتك في خطر."
نظرت إليه وقلت: "وإذن... لماذا أعيش؟"
قصة فريد الأطرش ليست مجرد خيبة حب، بل شهادة حية على أن الشهرة لا تشتري الحب، وأن الفن لا يقدر على تضميد كل جرح. في زم أصبح فيه الحب مشروطًا ومهددًا بالصفقات، اختار فريد أن يحافظ على كرامته... ولو كان الثمن قلبًا موجوعًا وصمتًا طويلًا عن الغناء.