TRENDING
كلاسيكيات

قصّة فنان المنولوج الذي خذله الطب وأبكاه الألم.. اكتشف مرضه يوم وفاته

قصّة فنان المنولوج الذي خذله الطب وأبكاه الألم.. اكتشف مرضه يوم وفاته

في عددها الصادر بتاريخ 28 مايو 1952، نشرت مجلة الكواكب قصة مؤثرة عن الفنان المصري إلياس مؤدب، الذي أضحك الجماهير بموهبته في تقديم المنولوجات الثنائية اللغة، لكنه عاش حياة صعبة خلف الكواليس، عانى فيها من ألم مزمن فشل الأطباء في تشخيصه حتى كانت نهايته المؤلمة. إليكم القصة الإنسانية الكاملة كما روتها المجلة:


البداية الفنية في ملهى "الأوبرج"

في ديسمبر 1944، تقدم الياس مؤدب ساسون — شاب طموح يحمل موهبة فريدة في تقديم منولوجات "الفرانكو آراب" — إلى عدد من أصحاب المسارح في مصر، إلا أن الجميع رفض التعاقد معه. أحدهم اكتفى بمنحه بطاقة توصية للمدير الفني لملهى "الأوبرج" بالهرم، وهناك تغيرت حياته.

فقد انبهر المدير الفني بأسلوبه وتعاقد معه فوراً، وفي الليلة التالية، قدم إلي مهذب أول عرض له أمام الجمهور، الذي استدعاه للصعود إلى المسرح أربع مرات متتالية، مصفقاً له بحرارة.


من ألم النجاح إلى آلام الجسد

بعد العرض مباشرة، شعر الياس بآلام شديدة في قدميه، صرخ من شدة الوجع وسقط على أول كرسي خلف الكواليس. تم نقله إلى المنزل، وشخّص الطبيب حالته بأنها روماتيزم، فخضع للعلاج لأكثر من أسبوعين.

ما إن تعافى، حتى عاد إلى عمله في "الأوبرج"، حيث لاحظ المسؤولون نجاحه الكبير، فرفعوا أجره وتعاقدوا معه لمدة ستة أشهر، ليصبح بذلك أول فنان — مصري أو أجنبي — يحصل على عقد طويل الأمد مع الملهى.


من إيلي مهذب ساسون إلى "إلياس مؤدب"

اختار الفنان الشاب اسماً فنياً جديداً يسهل تداوله بين الناس: "إلياس مؤدب". بدأ يشق طريقه إلى قمة المجد، آملاً في تحقيق حلمه القديم: بناء أكبر مصنع للنظارات الطبية في الشرق، كونه كان يعمل سابقاً مع والده في محل صغير لصناعة النظارات.


علاقاته الفنية وأصدقاء الطريق

خلال مشواره، ربطته علاقات قوية بعدد من نجوم الساحة الفنية، مثل بشارة واكيم الذي اعتبره كالتلميذ وقدمه له بالنصائح، وإسماعيل ياسين الذي أهداه بعض المنولوجات والنكات التي ترجمها إلياس للفرنسية. كما دعمته الفنانة الراحلة بيا عز الدين في تقديمه للجمهور المصري.

نجاحه المسرحي لفت أنظار المخرجين، فحصل على دور مهم في أحد الأفلام. وخلال العرض الأول للفيلم، بينما كانت القاعة تشتعل تصفيقاً، شعر إلياس بصداع حاد لم تنفع معه أي مسكنات.


8 سنوات من الصداع المزمن

استمر الصداع المؤلم في مرافقة إلياس مؤدب طوال ثماني سنوات، دون أن يتمكن الأطباء من معرفة سببه. ورغم ذلك، واصل العمل ليل نهار: في المصنع الذي حوله من دكان بسيط إلى منشأة متوسطة، وفي الملهى حيث أبهر الجمهور.

وخلال هذه الفترة، تمكّن من جمع ثروة قدرت بـ20 ألف جنيه، لم يمسّها لأنه خصصها لمشروع مصنع النظارات الكبير الذي لطالما حلم به.


الجانب الإنساني.. حب الأم والحزن للآخرين

كان إلياس مؤدب يحمل بداخله قلباً رقيقاً رغم صلابته الظاهرة. تقول الروايات إنه كان يبكي بحرقة كلما رأى مريضاً يتألم، متأثراً بآلامه هو ذاته. كما اشتهر بعلاقته الفريدة بوالدته، التي كان يستشيرها في كل تفصيلة: من توقيع العقود إلى اختيار المنولوجات، وكان لا يلقي عرضاً قبل أن تسمعه.


اللحظات الأخيرة: اكتشاف المرض والموت المفاجئ

قبل وفاته بأسبوعين، زار إلياس طبيباً يشكو من الصداع المتكرر. فطلب منه الطبيب زيارة أخصائي في جراحة المخ، الذي شك بوجود خراج. أحاله الأخصائي إلى مستشفى القصر العيني، وهناك تم تشخيص حالته أخيراً، لكن كان الأوان قد فات.

في نفس اليوم الذي عرف فيه إلياس مؤدب طبيعة مرضه، توفي، منهياً رحلة فنية قصيرة لكنها مليئة بالنجاح والتعب والألم.

المصدر:

مجلة الكواكب، عدد 28 أيار/مايو 1952


يقرأون الآن