في سابقة مؤلمة لعشّاق الدراما السورية، تتوالى الضربات على قطاع الإنتاج، ويبدو أن النزيف الفني مستمر. مسلسل المماليك، من بطولة مكسيم خليل وسلافة معمار، تم تأجيله رسميًا، بعدما كان يُفترض تصويره في دمشق. ثمّة تسريبات تؤكد انتقال المشروع إلى بيروت في ربيع العام المقبل.
لكن "المماليك" ليس سوى عنوان واحد في مشهد أوسع من الانهيار التدريجي. شركات إنتاج كبيرة تنتقل بهدوء إلى بيروت أو أبوظبي، فيما النجوم السوريون يصوّرون أعمالهم في دول الجوار، من تيم حسن وقصي خولي وعابد فهد، إلى باسل خياط ومعتصم النهار. مشهد غريب ومؤلم… فحتى في ذروة الحرب، لم تكن العجلة الدرامية بهذا القدر من التوقف والتشتت.
غولدن لاين… الرحيل الصامت من دمشق
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، بدأت شركة غولدن لاين، إحدى أبرز شركات الإنتاج الدرامي السورية، بنقل نشاطاتها تدريجيًا من دمشق إلى بيروت وأبوظبي. القرار لم يُعلن بصيغة صدامية، لكنه حمل في طيّاته اعترافًا واضحًا بعدم قدرة السوق المحلي على تأمين بيئة إنتاج مستقرة. ما زاد من وقع الصدمة أن الشركة كانت تُعد لعدة مشاريع من قلب دمشق، قبل أن تتخذ قرار الترحيل تحت ضغط الظروف، تاركة وراءها تساؤلات حول مستقبل الإنتاج الدرامي في سوريا.
مطبخ المدينة… في غرفة الانتظار
من أكثر الأعمال التي أثار تجميدها موجة استياء واسعة هو مسلسل مطبخ المدينة، الذي كتب له أن يظل عالقًا في أروقة الرقابة السورية. العمل، الذي كان من المفترض تصويره في عام 2024 لعرضه في رمضان 2025، تم تأجيله لأسباب قيل إنها "ظروف البلاد"، ثم أعيدت صياغته مجددًا بعدما أُجبرت مخرجته رشا شربتجي على حذف خطوط درامية رئيسية، ما أثار غضبها وجعل المشروع كله في مهبّ التأجيل رغم نفي المخرجة ذلك في بيان رسمي.
مطبخ المدينة لا يقدّم حكاية تقليدية، بل يفتح أبوابًا قلّما طُرقت في الدراما السورية. يدور حول ثلاثة إخوة، وابن الأخ الأكبر، يديرون مطعمًا في أحد أحياء دمشق. حياة العائلة تنقلب رأسًا على عقب بعد دخول امرأة غامضة تُدعى "نورا" وشقيقها إلى المطعم. تتصاعد الأحداث، ويُكشف عن خيوط تتقاطع فيها مافيات التسوّل المنتشرة في شوارع المدينة مع تجارة الأعضاء البشرية في عوالمها المظلمة.
العمل يضم كوكبة من نجوم سوريا:
عباس النوري، سلافة معمار، عبد المنعم عمايري، قيس الشيخ نجيب، سامر إسماعيل، فادي صبيح، ميسون أبو أسعد، ديمة الجندي، رواد عليو، رامز الأسود، ويامن الحجلي، فيما لا تزال المفاوضات جارية مع عدد من الأسماء البارزة للانضمام.
حين تصبح الدراما في مهب الإهمال
وسط هذا المشهد، تتردد تساؤلات حقيقية في الشارع السوري: لماذا تفقد البلاد أدواتها الناعمة بهذه السهولة؟ كيف لدولة تمتلك هذا الزخم من النجوم أن تُفرّط فيهم، بينما دول الجوار تبني استراتيجيات كاملة للاستفادة من الدراما كقوة اقتصادية وثقافية؟
الدراما ليست ترفًا، بل صناعة حيوية. والدولة التي تدعم فنّها، إنما تدعم صورتها وهويتها ومكانتها. وفي سوريا، الخطر لا يكمن في انسحاب عمل أو اثنين، بل في تحوّل المسلسل السوري من "منتج وطني" إلى "ضيف على خريطة عربية بديلة".
إن لم تتحرك الجهات المسؤولة سريعًا، فإن ما نشهده اليوم سيكون مجرّد بداية لنهاية مشهد درامي طالما كان مفخرة السوريين والعرب على حدّ سواء.