برحيل زياد الرحباني، ابن السيدة فيروز والموسيقار عاصي الرحباني، لم تخسر الساحة الفنية أحد أبرز رموزها فحسب، بل فتحت فاجعته بابًا قديمًا على جرحٍ أعمق: ليال الرحباني، الابنة التي رحلت فجأة عام 1988، تاركة غيابًا ما زال يُوجع البيت الرحباني بصمتٍ لا يُشفى.
ومع انتشار خبر وفاة زياد، فوجئ كثيرون من جيل الشباب باسم "ليال" يتصدر محركات البحث، وكأن الناس تكتشف لأول مرة أن فيروز فقدت ابنة في ريعان شبابها. كتب البعض بدهشة: "هل كانت للسيدة فيروز ابنة تُدعى ليال؟" بينما سارع من يعرف أو يتذكر، إلى استحضارها من الذاكرة، مؤكدين أن ابنة فيروز لا تُنسى، وإن طال الصمت حولها.
وبين من تذكّرها بحرقة، كانت ريما الرحباني، الأخت الصغرى، أكثر من أصرّ على تذكير الناس أن ليال لم تكن عابرة. وفي منشور قديم أعيد تداوله، روَت ريما ما لم يُحكَ عن تلك الفقدة… وعن ذلك الصباح الذي غيّر كل شيء.
ليال الرحباني... الابنة الثالثة والوجه الأقرب إلى فيروز
ليال، المولودة عام 1960، كانت الابنة الثالثة في عائلة الرحباني: بعد زياد (1956)، وهالي (1958)، وقبل ريما، أصغر الأبناء.
قال زياد عنها في أكثر من مناسبة إنها كانت الأقرب إلى فيروز، تُشبهها كثيرًا في طباعها وهدوئها، وكانت متعلقة بها بشدة.
الليلة الأخيرة... شهادة ريما الرحباني
في منشور وجداني مؤلم كتبته ريما قبل أكثر من ثلاث سنوات، استرجعت ما وصفته بـ"الليلة الأخيرة التي اجتمع فيها أفراد العائلة".
كان ذلك في يناير/كانون الثاني 1988، حيث جلسوا جميعًا – بمن فيهم فيروز – يشاهدون حفلة للأخيرة على التلفزيون. علّقوا وضحكوا كعائلة، ولم يدركوا أن تلك ستكون المرة الأخيرة.
ليال، يومها، أصرت أن تعتني بشقيقها هالي المُقعَد، رغم أن الدور كان لريما، التي عادت إلى غرفتها لتنام. في صباح اليوم التالي، مرّت ريما من أمام غرفة أختها، فوجَدَتها لا تزال في السرير، على غير عادتها. لمست يدها فوجدتها مثلجة.
"جريت مسرعة، اتصلت بالطبيب، طلب مني القيام ببعض الإسعافات، لكن لم أجد جدوى"، تروي ريما.
نُقلت ليال إلى المستشفى برفقة والدتها فيروز، ودخلت العناية المركزة. بعد 48 ساعة من الغيبوبة، فارقت الحياة.
كان السبب الطبي: نزيف دماغي حاد، تمامًا كالمرض الذي توفي به والدها عاصي الرحباني قبلها
رحلت ليال عن عمر 29 سنة، دون ضجيج، دون وداع، في وقت لم تكن العائلة مستعدة له، ولا الوقت مهيأ لتصديق فاجعة كهذه.
بين رحيلين... ريما في صمتها ووجعها
في المقابل، رحل زياد بعد سنوات طويلة من المعاناة مع مرض في الكبد، وهو كان – كما تؤكد المقربون – رافضًا لإجراء عملية جراحية كانت قد تطيل عمره. عاش آخر سنواته وهو يهيّئ محيطه لفكرة الرحيل، وكأنه يعرف أن نهايته اقتربت، لكنه أراد أن يمضي كما عاش: بشروطه.
أما ريما، التي كانت الصوت الأعلى دفاعًا عن والدها، والتي فجّرت شهادتها المؤلمة عن تفاصيل رحيل ليال، فقد آثرت الصمت هذه المرة.
صمت قد يكون أثقل من الكلام، فالحزن يتضاعف، لا سيما حين تغيب روحان في مسار حياة واحدة.
فيروز... القلب الذي لا يتوقف عن الخسارة
وفي الخلفية، تبقى فيروز، أمًا قبل أن تكون أسطورة. ودّعت زوجها عاصي، ثم ابنتها ليال، والآن ابنها زياد، والضوء يبهت شيئًا فشيئًا في البيت الذي كان يومًا ينبض بالموسيقى والحياة. الصفعة تلو الصفعة، والخسارة تتكرر، ومعها تتكرس صورة الأم الصامتة، التي لم تعد الكلمات تسعفها.
ليال لم تكن على المسرح، لكنها كانت في القلب. وزياد، الذي ملأ الخشبات والصحف والمواقف، غاب أيضًا، وترك خلفه ميراثًا فنيًا لا يُختصر في عمل أو لحن.
وبين الاثنين، تبقى ريما شاهدة على وجعين، حاملة لإرث عائلة كانت بحجم وطن، ومعها تذكير مؤلم أن الغياب لا يقاس بزمن، بل بفراغ لا يملأه سوى من رحلوا.