رغم إنكار عائلة الرحباني نسبه إليها، لم يتأخر عاصي الرحباني، الإبن غير البيولوجي للفنان الكبير زياد الرحباني بإعلان الحداد.
استبدل صورته على الفايسبوك بصورة حداد سوداء، تقبّل التعازي، ونشر قول جبران خليل جبران الشهير عن المحبة.
عزّاه أصدقاؤه، فهو عاش 25 سنة ابنًا لزياد من زوجته السابقة دلال كرم، قبل أن يكتشف الأب والإبن أنّ لا رابط بيولوجي بينهما، يومها فضّل زياد العض على جرحه 4 سنوات، قبل أن يقرر بنفسه الخروج إلى الإعلام والحديث عن نسب ابنه، طالبًا منه عدم استخدام اسمه بعد اليوم.
تبرؤ زياد الرحباني من ابنه "عاصي"
في العودة إلى القضية التي يحفظ القضاء اللبناني تفاصيلها، فإنّ زياد الرحباني اكتشف في عام 2004، عبر فحص الحمض النووي (DNA)، أن الشاب الذي كان يُعرف باسم عاصي زياد الرحباني، ليس ابنه البيولوجي. الشكوك كانت تراوده منذ سنوات، لكن الفحص جاء بعد تصريحات صحافية مثيرة أدلت بها زوجته السابقة دلال كرم، دفعته لاتخاذ خطوة التأكد.
رغم النتيجة السلبية، زياد لم يُعلن الأمر مباشرة. احتفظ بالسر سنوات، واستمر بتقديم دعم مالي بسيط لعاصي، لكنه بقي بعيدًا عنه، كما كانت علاقتهما دائمًا متوترة. لاحقًا، وبعد أن بدأ عاصي يحقق بعض النجاح في الإخراج السينمائي ويقدّم نفسه كامتداد لعائلة الرحابنة، غضب زياد وأحس أن الوقت قد حان لفضح الحقيقة.
فأقام دعوى قضائية في محكمة المتن الشمالي يطلب فيها:
• شطب اسم عاصي من خانته العائلية.
• منعه من استخدام اسم "الرحباني" أو الانتساب إليه.
وهكذا، في عام 2009، وبعد 25 عامًا، أعلن زياد رسميًا أن عاصي ليس ابنه، معتبرًا نفسه ضحية مثل عاصي تمامًا، وواصفًا إياه بـ"هذا الإنسان" بدلًا من "ابني"، ما كان بمثابة إعلان قاطع للتنصل من العلاقة.
القضية صدمت الرأي العام اللبناني، واعتُبرت واحدة من أكثر القصص الشخصية قسوة وتعقيدًا في عائلةٍ لطالما كانت رمزًا فنيًا في العالم العربي.
القضاء اللبناني يتّخذ موقفًا للتاريخ
في قضية إنكار النسب التي شغلت الوسطين الفني والإعلامي في لبنان، اتخذ القضاء اللبناني موقفًا للتاريخ، إذ دعت محكمة الدرجة الأولى في المتن الشمالي كلًا من الفنان زياد الرحباني والشاب عاصي إلى إيجاد صيغة محترمة لحل الخلاف، حفاظاً على اسم العائلة الرحبانية التي تُعد رمزاً فنياً وثقافياً لبنانياً منذ أكثر من 60 عامًا.
فرغم الأدلة القاطعة التي قدّمها زياد، مثل نتيجة فحص الحمض النووي، قررت المحكمة أن الحل الأخلاقي والعائلي يجب أن يسبق الحكم القانوني، في محاولة لصون إرث عائلة طبعت وجدان اللبنانيين بعشرات الأعمال الخالدة. القضية لا تزال دون حلّ قضائي، لكنّها تركت أثراً إنسانيًا وفنيًا عميقًا في الرأي العام.
بعدها لم يتسرّب إلى الإعلام ماذا حصل، إذ أن عاصي لا يزال يحتفظ باسم الرحباني ويستخدمه.
خلفية الدعوى
وكان زياد الرحباني صرح سابقاً بأنه سعى لحلّ الخلاف سراً مع طليقته دلال كرم، والدة عاصي، محاولًا إقناعها بمنع ابنها من استخدام لقب "الرحباني" في الإعلام، خاصة بعد أن بدأ يلمع اسمه كمخرج سينمائي. غير أن دلال رفضت الانصياع، ما دفع زياد إلى التوجه إلى القضاء، خشية أن يُستغل اسم العائلة الرحبانية لتحقيق مكاسب فنية ليست مستحقة بيولوجياً.
صدمة واختفاء
منذ تفجّر القضية في عام 2009، اختفت دلال كرم عن الساحة الإعلامية، بينما غاب عاصي تماماً عن الظهور، وأغلق هاتفه الشخصي، تاركًا حتى أقرب أصدقائه دون علم بمكانه، وسط صدمة من حقيقة نسبه وهويته. واليوم تزوّج عاصي وأنجب وهو يقيم في دبي تحت اسم عاصي الرحباني.
قيام عاصي بإعلان الحداد على زياد أعاده إلى الواجهة، ليتبيّن أنّ بعض القضايا لا تطويها الذاكرة، فكيف بقضية تخص عائلة الرحباني التي تشكّل ذاكرة اللبنانيين الفنية منذ عقود.