في ذكرى رحيل الفنان الكبير كمال الشناوي، التي تصادف اليوم 22 اب/أغسطس، نستعيد واحدة من أغرب المحطات في حياته، والتي عاش خلالها تجربة درامية جعلت أهله وجيرانه يعتقدون أنه رحل عن الدنيا قبل أن يظهر فجأة ويعود إلى حضن أسرته.
البدايات.. شغف بالتمثيل والخطابة
في ثلاثينيات القرن الماضي، كان كمال الشناوي طالبًا في المرحلة الثانوية. وبما أن مدرسته لم يكن بها فريق تمثيل، قرر أن يفرغ طاقته في الخطابة أمام زملائه. كان يستغل أي خبر في الصحف ليعتليه منصة غير رسمية وسط الطلاب، مستخدمًا إشارات حماسية وقبضة مرفوعة تلهب حماس الحضور. لم تتوقف خطبه عند حدود الكلمات، بل كانت تشعل المظاهرات بين الطلاب، ما كان يضعه دائمًا في مواجهة مع ناظر المدرسة، الذي كان يعتبر تلك التحركات "فوضى" ويستدعي والده باستمرار.
مواجهة مع الأب وقرار مصيري
بعد تكرار المظاهرات، نصحه والده قائلاً: "لو عايز تثبت إنك ابن صالح، أول ما تلاقي مظاهرة اطلع وروح البيت على طول." لكن كمال لم يستطع الالتزام بذلك. ففي إحدى المرات قاد زملاءه في مظاهرة وصلت إلى لاظوغلي، وهناك رآه والده بنفسه. عاد كمال في نهاية اليوم ليجد أبواب البيت مغلقة، وأمه تخبره أن والده أقسم ألا يدخل المنزل مرة أخرى. بكبريائه المعتاد، رد قائلاً: "يبقى خلاص.. من النهارده مش هتشوفوني تاني."
مأساة المشرحة
لم يعد كمال إلى المنزل تلك الليلة، مما دفع والده إلى تحرير محضر في قسم السيدة زينب. وهناك أُبلغ بوجود شاب مجهول الهوية قُتل تحت عجلات الترام، فطُلب منه التوجه إلى المشرحة للتعرف عليه. وقف الأب أمام جثة مشوهة الملامح، فظن أنها لابنه، وبكى بحرقة معلنًا وفاته. سرعان ما انتشر الخبر، وتحولت المنطقة إلى سرادق عزاء كبير امتلأ بالبكاء والنحيب.
المعجزة.. عودة "الابن الميت"
في اليوم التالي، وأثناء تواجد الأب في مدرسة كمال لاستكمال الإجراءات، فوجئ بزملاء ابنه يصرخون فرحًا: "كمال حي ما ماتش.. كمال عند بوابة المدرسة." خرج الجميع مسرعين، ليظهر كمال حيًا يُرزق بعد أن قضى ليلته عند أحد أصدقائه. عندها لم يتمالك الأب نفسه، فاحتضن ابنه وسط دموع الفرح، وتحولت الأجواء من مأتم حزين إلى ليلة احتفال امتدت حتى الصباح.
قرار أنهى مرحلة
بعد هذه التجربة الصادمة، اتخذ كمال الشناوي واحدًا من أهم قرارات حياته وهو التوقف عن الخطابة والخروج في المظاهرات. كان ذلك الحدث علامة فارقة في مسيرته، مهدت الطريق لاحقًا لأن يصبح أحد أبرز نجوم السينما المصرية.
بهذا المشهد الاستثنائي، يبقى كمال الشناوي حاضرًا في ذاكرة الفن والجمهور، ليس فقط بأدواره المميزة، بل أيضًا بتلك الحكاية التي جعلته يعود من "الموت" ليواصل مسيرة أضاءت الشاشة لعقود طويلة.