رحلت الممثلة الأميركية ديان كيتون (1946 – 2025)، إحدى أكثر نجمات هوليوود تفردًا وتأثيرًا، عن عمر ناهز التاسعة والسبعين في كاليفورنيا، وفق ما أكدته مجلة People. ولم تُكشف تفاصيل إضافية عن الوفاة، إلا أن مقربين منها أشاروا إلى تدهور مفاجئ في حالتها الصحية خلال الأشهر الأخيرة.
برحيلها، تخسر السينما العالمية وجهًا أنثويًا صاغ ملامح جيلٍ كامل من الممثلات، ومثالًا نادرًا للجرأة والتجديد في الأداء والموضة والفكر.
بدايات من المسرح إلى السينما
وُلدت ديان هول في لوس أنجليس عام 1946، ونشأت في عائلة متوسطة تؤمن بقيمة الخيال والعمل. بدأت مشوارها من المسرح المدرسي، حيث أدّت دور بلانش دوبوا في مسرحية عربة اسمها الرغبة. وبعد انتقالها إلى نيويورك، التحقت بمدرسة Neighborhood Playhouse لدراسة التمثيل، ثم شاركت في المسرحية الغنائية Hair عام 1968، لتلفت الأنظار في Play It Again, Sam إلى جانب وودي آلن، الذي شكل معها ثنائيًا فنيًا وإنسانيًا سيترك بصمته على تاريخ السينما.
الانطلاقة الكبرى مع "العرّاب"
جاءت انطلاقتها السينمائية الفعلية عام 1972 في فيلم "العرّاب" للمخرج فرانسيس فورد كوبولا، حيث جسدت شخصية كاي آدامز، زوجة مايكل كورليوني (آل باتشينو). بأداء داخلي هادئ وعميق، عبّرت كيتون عن التناقض بين البراءة والخذلان، لتصبح شخصية كاي رمزًا للمرأة التي تكتشف الوجه المظلم للسلطة والذكورية. وقد قال كوبولا عنها:"اخترتها لأن وراء ملامحها الهادئة شيئًا أعمق وأذكى وأكثر غرابة مما يبدو."
"آني هول".. الثورة على الصورة النمطية
عام 1977، غيّرت كيتون وجه السينما إلى الأبد من خلال فيلم "آني هول" الذي أخرجه وودي آلن، لتقدّم شخصية استثنائية جمعت العفوية والذكاء والهشاشة في آن واحد.
كانت ملابسها – القبعة الواسعة وربطة العنق والقميص الرجالي – أكثر من مجرد أزياء، بل بيانًا فنيًا عن حرية المرأة واستقلالها. تحولت "أناقة كيتون" إلى ظاهرة ثقافية ألهمت النساء حول العالم، وجعلت منها أيقونة للأسلوب والتمرد الناعم.
قالت كيتون لاحقًا في مذكّراتها Then Again:"لم أكن أرتدي ما يليق بالكاميرا، بل ما يشبهني. كنت أسرق من النساء الرائعات في شوارع نيويورك حريتهن، وأرتديها."
مسيرة متنوعة وجوائز مرموقة
بعد فوزها بجائزة الأوسكار عن "آني هول"، تنقلت ديان كيتون بين أدوار الكوميديا والدراما بمرونة نادرة. جسدت الصحافية الراديكالية لويز براينت في Reds (1981)، فحازت ترشيحًا ثانيًا للأوسكار، ثم تألقت في أفلام مثل Baby Boom وThe First Wives Club وSomething’s Gotta Give، الذي رسّخ صورتها كرمز للأنوثة الناضجة والذكاء العاطفي.
في كل دور، كانت تمزج بين القوة والهشاشة، السخرية والصدق، لتثبت أن المرأة لا تُختزل في صورة واحدة، بل هي طيف واسع من المشاعر والاحتمالات.
خلف الكاميرا.. وعين معمارية
لم تكتفِ كيتون بالتمثيل، بل خاضت تجربة الإخراج بأفلام مثل Heaven (1987) وHanging Up (2000)، إضافةً إلى إخراج فيديوهات موسيقية شهيرة، منها Heaven Is a Place on Earth.
كانت تقول دائمًا:"العيب أجمل من الكمال."
جملة تلخص فلسفتها الفنية التي آمنت فيها بأن الصدق الإنساني أهم من الإتقان التقني.
كما اشتهرت بشغفها بالتصوير المعماري، وأصدرت كتبًا توثق الأبنية القديمة في المدن الأميركية، معتبرة أن الأبواب المغلقة تحكي القصص أكثر من المفتوحة.
إرث لا يُمحى
برحيل ديان كيتون، تفقد هوليوود امرأة علّمت السينما كيف تكون الأنوثة فكرًا لا مظهرًا، وكيف يمكن للسخرية أن تكون شكلًا من أشكال الحكمة.
من “آني هول” إلى “شيء يجب أن يُعطى”، تركت وراءها أعمالًا ستظل مرجعًا في دراسة الأداء، وأسلوبًا في الحياة يصعب تكراره.
كانت ديان كيتون، ببساطة، امرأة تعرف كيف تكون نفسها — وهذا ما جعلها خالدة.