من بين أكثر القصص الإنسانية غرابة، تبقى حكاية الفنان أنور وجدي مثالاً صارخاً على تقلبات القدر. فقد عاش حياة مليئة بالصراع بين الفقر والثراء، بين النجاح والمرض، وانتهت رحلته المليئة بالمجد في غربة وألم بعيداً عن الوطن.
من الفقر إلى قمة المجد
بدأ أنور وجدي حياته في ظروف قاسية، بعدما طرده والده من المنزل ليجد نفسه عاجزاً حتى عن تأمين لقمة العيش. عمل في فرقة يوسف وهبي مقابل قرش واحد في الليلة، حاملاً حلماً واحداً: أن يصبح نجماً كبيراً مهما كان الثمن. وكان كثير الدعاء أن يمنحه الله الشهرة والمال حتى لو كان ذلك على حساب صحته، وهو ما تحقق بالفعل.
مرض غامض ومصير مأساوي
في قمة مجده وثرائه، أصيب أنور وجدي بمرض غامض أنهك جسده. وحين أدرك قسوته، دعا الله أن يأخذ منه ثروته مقابل استعادة صحته، لكن القدر لم يمنحه هذه الفرصة، إذ توفي بعد معاناة طويلة في الخارج.
لم يدخل بيته الجديد.. ورحل دون مأوى
يروي الشاعر الكبير كامل الشناوي تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة أنور وجدي، مشيراً إلى أن النجم الراحل اشترى فيلا فاخرة في الزمالك قبل وفاته، لكنه لم يسكنها قط. وفي حديثه مع الكاتب جليل البنداري، كشف الأخير أن العمارة التي شيّدها وجدي بماله لم يدخلها أيضاً بعد اكتمال بنائها، وأن المفارقة الكبرى كانت في أن جثمانه لم يجد غرفة يبيت فيها ليلته الأخيرة قبل الدفن.
الجثمان على الرصيف وأهل يطاردون التركة
بعد وصول جثمان أنور وجدي إلى القاهرة برفقة زوجته الفنانة ليلى فوزي، انشغل الناس بليلى وتركوا الجثمان في حراسة موظف يُدعى ليون. حاول ليون إدخال الجثمان إلى مكتب أو منزل أنور، لكن الأبواب كانت مغلقة، فبقي معه على الرصيف حتى الصباح.
وفي اليوم التالي، وبينما كان الجثمان يُدفن بمعاونة ليون وعدد من الأصدقاء، ترك أهل الفقيد المقبرة مسرعين إلى مكتب أنور بعد أن علموا بوصول مندوب إدارة التركات.
النهاية القاسية لنجم أعطى كل شيء للفن
مات أنور وجدي كما عاش، محروماً. لم ينعم بثروته، ولم يسكن بيته الجديد، ولم يجد مكاناً يأوي جثمانه بعد الرحيل. كانت حياته درساً مؤلماً عن ثمن الشهرة حين تُشترى بالصحة والعمر، كما وصفه كامل الشناوي في كتابه "زعماء وفنانون وأدباء".