لم يكن وسيماً لكنه كان محبوباً. لم يأخذ دور بطولة ولا دوراً كبيراً لكن حضوره كان مدعاة تفاؤل وسكينة. بالرغم من مروره السريع في الأدوار التي مثلها، لكنه وشم فيما قدّم وكان الشخصية التي لا يمكن أن تُنسى.
أشهر كومبارس
هو صفاء الدين حسين زكي فيضي المعروف بصفا الجميل. هو حرنكش ابن الفنانة زينات صدقي «الست بلطية العالمة» في فيلم "دهب"، والطالب عبدالله في فيلم "سلامة في خير"، وهو نوفل في فيلم «شباك حبيبي».
الكومبارس الشهير الذي يُعتبر أشهر ممثلي الدرجة الثالثة في السينما المصرية منذ الثلاثينيات حتى خمسينيات القرن الفائت. ولد في عام 1907 وتوفي عام 1966.
60 دقيقة تمثيل شكّلت مسيرة حافلة
اكتشفه الموسيقار محمد عبد الوهاب وقدّمه في فيلم "دموع الحب" 1935 ومن ثم في فيلم "يحيا الحب" مع ليلى مراد، بعدها وجد فيه الفنان نجيب الريحاني موهبة كوميدية فقدّمه في فيلم "سلامة في خير" 1937، بعدها توالت أفلامه - رغم إعاقته - مثل: "سلفني 3 جنيه" 1939، "غزل البنات" 1949، "الأستاذة فاطمة" 1952، إسماعيل يس في "متحف الشمع" 1956. وشارك الفنان حسين صدقي فيلم «العزيمة» المصنّف من ضمن قائمة أفضل مائة فيلم مصري حسب استفتاء النقاد.
خلال رحلته الفنية التي لم تتعدَّ الـ60 دقيقة تمثيل في 27 فيلماً، استطاع صفا جميل أن يكون الكومبارس الأكثر شهرة في السينما المصرية.
قدّم صفا جميل أدواراً تظهر إنه معوّقاً، لكن في الحقيقة كان ذكياً وكان يعزف الموسيقى ويقول الشعر، إلا أنه كان يعاني من صعوبة في النطق وله وجه غير جميل، هذا الوجه الذي بات هويته وأعطاه التميّز.
وجه التفاؤل والإلهام
كانت روحه تطغى على شكله وملامحه. فكان بالنسبة للآخرين طاقة إيجابية ومحضر خير وإلهام. فعلاقته بمحمد عبد الوهاب كانت تتعدّى العلاقة الفنية بل كانت علاقة لها "بُعد نفسي"، فكان بالنسبة له وجه خير وبشرى تفاؤل.
ويذكر أن موسيقار الأجيال أنه ذات مرة تعثّر في تسجيل أغنية، وأعادها أكثر من مرة، ولم يرضَ عن أي من هذه التسجيلات، ولكنه عندما اتصل بـ«صفا» وحضر إلى الاستوديو، أصبح كل شيء على ما يُرام.
لم يكُن عبد الوهاب وحده من اعتاد أن يستبشر خيراً بوجه صفا الجميل، كذلك اعتاد الفنان أنور وجدي أن يتصل به عند شروعه في كتابة سيناريو جديد، فكان يعطيه الإلهام، كذلك الشاعر صالح جودت، الذي طلب من "الجميل" أن يمُر عليه صباح كل يوم لكي يُلهمه، لكن «صفا» اكتفى بأن يمُر عليه مرة في الأسبوع.
حب من طرف واحد لـ ليلى مراد وأسمهان
كان مصدر ثقة للكثير من الفنانين والفنانات، فكان عفيف النفس وكريم الأخلاق ويتحلّى بالنُبل. أَحبّ ليلى مراد كثيراً فهي التي أطلقت عليه اسم صفا جميل تيمّناً بروحه الطيبة وكان مشكى همّها والأذن التي تصغي لأحلامها وأمانيها.
تعلَّق قلبه بها كثيراً وكانت حبّه ووجده، ولم ينقطع عن ذكراها حتى مماته وهو يستعيد نزهاته معها حول الاستوديو. ولم يكن يتحلى بالجرأة للإفصاح عن هذا الحب الذي بقي دفين قلبه.
تعرّف على ليلى مراد أثناء قيامها بأول أدوارها السينمائية في فيلم "يحيا الحب"، وأوشك في أكثر من مرة أن يعرض عليها الزواج، لكنه كان يتذكر دائماً أنه دميم الوجه، كما يقول، فيربط لسانه ولا يستطيع أن يصرّح لها بحبّه، ويفضّل أن يحبّها في صمت، إلا أنها حين عرفت بمشاعره تجاهها، طلبت لقاءه وقالت له: "دا انت صفا الجميل"، ومن يومها أصبح اسمه صفا الجميل.
وعندما تعرّف على أسمهان، تعلّق قلبه بها واستطاعت أن تُنسيه حبّه الأول لـ ليلى مراد. وسكن هذا الحب الجديد قلبه، الذي عاد وكسره بعد وفاتها المفاجئ في عام 1944، وكان يعتقد بأنها بادلته هذا الحب، حيث كانت تحرص على بقائه برفقتها في الاستوديو طوال الوقت، وعندما كانت تُسافر خارج القاهرة، كانت تحرص أن تتواصل معه عن طريق الخطابات.
"أجمل الوِحشين"
جمع أصدقاء صفا الجميل الذين اعتادوا أن ينادوه «صفصف» بأنه كان رقيق القلب.
وفي سؤال لأحد الصحافيين له، عمّا إذا كان يتضايق لأنه ليس جميل الوجه؟ ردّ باسماً: "واتضايق ليه"، وأضاف: "أنا مبسوط كده... مش يمكن يعملوا مسابقة عن أوحش رجل في العالم وربنا يكرمني وأكسبها؟!".